كتاب التكليف السامي الثاني لعبدالله النسور
بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزنا دولة الأخ الدكتور عبدالله النسور، حفظك الله ورعاك،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،
فيطيب لي أن أبعث إليك بتحية ملؤها التقدير لجهودك الوطنية الموصولة والاعتزاز بسيرتك المهنية الرائدة، والتي كانت على الدوام موضع تقدير واحترام.
أما وقد تلقيت تقرير نتائج المشاورات، التي أوكلناها إلى رئيس ديواننا الملكي الهاشمي مع كافة الكتل النيابية وأعضاء مجلس النواب، وفي ضوء نتائج هذه المشاورات، فإنني أعهد إليك بتأليف حكومة جديدة، وأن تباشر فورا عملية التشاور لتأليف الوزارة، وبلورة برنامج العمل الحكومي للسنوات الأربع القادمة، ومن ثم التقدم للحصول على ثقة ممثلي الشعب، أعضاء مجلس النواب.
وقد جاء تكليفك بتأليف الحكومة ترجمةً لنهج جديد، يرسخ مسيرتنا الديمقراطية، وعلى أسس الشراكة والتشاور مع أعضاء مجلس النواب، وهو ما نسعى إلى تجذيره ودعمه كأحد ثوابت نظامنا السياسي.
دولة الأخ العزيز،
إن انطلاق نهج التشاور وتعميق تجربة الحكومات البرلمانية يتطلب التركيز على الأولويات الوطنية الواجب إيلاؤها كل الاهتمام في برنامج العمل الحكومي.
وعليه، فإن الأولوية الوطنية تقتضي استمرار وتكثيف جهود الجميع لتهيئة البيئة المناسبة، وتوفير الأدوات اللازمة لضمان تقدم عملية الإصلاح، وتحقيق الأهداف المرجوة والتي أطلقناها منذ أن تحملنا أمانة المسؤولية. وعلى الحكومة مسؤولية المباشرة في تعظيم الاستفادة من هذه الإصلاحات الشاملة لتصب في مصالح المواطنين، وتنعكس إيجابياً على حياتهم.
كما يتطلب تعزيز النهج التشاوري الحوار مع مجلس النواب والقوى السياسية الأخرى حول برنامج عمل الحكومة والفريق الوزاري القادر، ليس فقط على تقديم أفضل الحلول للتحديات الراهنة، بل وضع وتنفيذ برنامج عمل وطني شامل يجدد انطلاقة الأردن على مسار النمو المستدام، ويمكن الأردنيين من توظيف طاقاتهم وقدراتهم في مختلف المجالات للنهوض بالوطن، وتعزيز دوره الريادي في المنطقة والعالم.
ويترتب على الحكومة كذلك دور حيوي في الارتقاء بنوعية الخدمات العامة المقدمة، وترسيخ مؤسسية العمل العام، وإثراء السياسات الحكومية وضمان استقرارها، وفق رؤية واضحة المعالم، وخطة عمل محددة تعالج مختلف التحديات.
ولتحقيق ذلك، فإننا نشير إلى أهمية بناء الخطط والاستراتيجيات الحكومية، بالتشاور مع جميع الأطراف المعنية، وترجمتها إلى خطط تنفيذية، بمنهجيات تعكس أولويات المجتمعات المحلية، ووفق جداول تنفيذ زمنية محددة ومعلنة للمواطنين. وأن تعكف الحكومة على تنفيذ ما ورد من رؤى في خطاب العرش الأخير ترتبط بأولويات عمل السلطة التنفيذية، والتعاون مع السلطات الأخرى لضمان نجاح تنفيذ المسؤوليات المشتركة بينها، إضافة إلى ضرورة تفعيل أداء الجهاز الحكومي عبر إطلاق ثورة بيضاء في العمل العام، تضمن كفاءته ونوعيته وتقديم أفضل الخدمات وفق أعلى درجات الشفافية والانفتاح على المواطنين وممثليهم، ليتم بعد ذلك الحكم على أداء الحكومة ومساءلتها على هذا الأساس.
عزيزنا دولة الأخ،
إن التحديات التي نمر بها تتطلب إيلاء القضايا الوطنية التالية أهمية كبرى لدى معالجتها في برنامج عمل الحكومة:
- تعزيز سيادة القانون واحترامه والحفاظ على الأمن والنظام العام.
- مواصلة جهود تنمية الحياة السياسية وتطوير التشريعات الناظمة لها، لتشجيع المواطنين على الانخراط فيها، والارتقاء بالعمل الحزبي والنيابي.
- ترسيخ مبادئ الشفافية والمساءلة والعدالة والجدارة وتكافؤ الفرص، والجدية في محاربة الفساد والواسطة والمحسوبية، وتعزيز منظومة النزاهة الوطنية، لاستعادة ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة.
- تطبيق نهج اللامركزية لتعزيز مشاركة المواطنين في صنع القرار، خصوصا على المستوى المحلي.
- اتخاذ إجراءات ناجعة لمحاربة الفقر والبطالة وحماية المستهلك، تضمن توسيع الطبقة الوسطى وتمكينها، إضافة إلى المضي قدماً في برامج الإصلاح الاقتصادي والمالي، وتحسين أداء الاقتصاد، وضبط عجز الموازنة العامة للدولة، والمحافظة على الاستقرار النقدي.
- الارتقاء بنوعية الخدمات المقدمة للمواطنين في مختلف المجالات، والتركيز على قطاعات الصحة والتعليم والتدريب والتشغيل، وبما يتناسب مع متطلبات سوق العمل، وضمان تحقيق أعلى درجات المساواة والعدالة في الحصول على هذه الخدمات.
- تركيز الجهود على تنمية المحافظات لضمان توزيع أكثر عدالة لمكتسبات التنمية، وإيجاد بيئة استثمارية منافسة وجاذبة للقطاع الخاص المحلي والعربي والأجنبي لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، ولتوفير فرص العمل للأردنيين.
- تعزيز الأمن الغذائي والمائي وتلبية احتياجات المملكة من مصادر الطاقة، عبر التخطيط بعيد المدى وإقامة المشاريع الكبرى القادرة على تلبية احتياجاتنا المتنامية، وذلك عبر الشراكة الفاعلة والبناءة مع القطاع الخاص، ومواجهة تحديات الطاقة من خلال تنويع المصادر، وتنفيذ برامج ترشيد الاستهلاك.
- تعزيز التعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والنقابات ووسائل الإعلام كشركاء في عملية الإصلاح والتنمية المستدامة بإبعادها المختلفة، والمساهمة الإيجابية في حفز هذه المؤسسات، وتفعيل أدائها والارتقاء بدورها، وتوفير بيئة إيجابية تمكنها من تحقيق مساعيها لتنمية المجتمع.
دولة الأخ عبدالله النسور،
إن قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية هي الضمانة لسيادة الوطن وأمنه واستقراره، وهي بأدائها المهني المميز موضع فخر الأردنيين واعتزازهم. ومن واجبنا جميعاً، الاستمرار في تقديم كل أشكال الدعم والرعاية والاهتمام بالقوات المسلحة والأجهزة الأمنية ومنتسبيها، إعدادا وتدريبا وتسليحا، وتوفير سبل العيش الكريم لمنتسبيها، لتبقى على الدوام مثالا في الكفاءة والقدرة على حماية الوطن ومكتسباته.
دولة الأخ،
لقد تأسس الأردن على مبادئ الدفاع عن حقوق أمته العربية والإسلامية وقضاياها العادلة، وسيظل، بعون الله وتوفيقه، نموذجا في اعتداله وانفتاحه. وعلى الحكومة الاستمرار في تعميق علاقاتنا الإقليمية والدولية، والحفاظ والبناء عليها وتنميتها، وعمل كل ما يلزم من أجل تعزيز التضامن العربي من خلال اعتماد أعلى درجات التشاور، وتنسيق المواقف بما يلبي تطلعات أمتنا في الرفاه والازدهار والمستقبل الأفضل. وستبقى القضية الفلسطينية، قضية العرب الأولى، وإيجاد حل عادل ودائم لهذه القضية المركزية أمر أساسي لأمن واستقرار المنطقة. ونحن ماضون في دعم أشقائنا الفلسطينيين، لاستعادة حقوقهم التاريخية والشرعية، وإقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني. كما يجب أن يكون في مقدمة أولويات الحكومة الحفاظ على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والدفاع عنها في وجه الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، ومحاولات تهويد المدينة المقدسة وتهجير سكانها العرب، المسلمين والمسيحيين.
دولة الأخ العزيز،
إننا إذ نعبر إلى حقبة جديدة في تاريخ الأردن السياسي، لنؤكد على ضرورة التعاون والانسجام والتكامل في عمل السلطات، مع الانفتاح في نهج التشاور مع سائر الفعاليات الوطنية، للوقوف على آرائهم وخبراتهم في معالجة مختلف القضايا. وهذا النهج الديمقراطي هو السبيل الذي سيقودنا نحو مرحلة جديدة من مسيرة الأردن العزيز، ليكون عنوانها تعظيم المشاركة الشعبية في عملية صنع القرار، وصون الجبهة الداخلية، وتحقيق المصلحة العامة.
إنك اليوم مقبل على حمل مسؤولية وطنية جليلة، يتطلب النجاح فيها فريقا وزارياً منسجماً يتمتع بالكفاءة والمعرفة والخبرات والنزاهة، ويعي التحديات ويتفانى في مواجهتها، ويلتزم بنهج العمل الميداني، وستجدون مني كل الدعم والمؤازرة، متمنيا لكم التوفيق والنجاح. وإننا في انتظار تنسيبك بأسماء الفريق الوزاري الذي سيشاركك حمل أمانة المسؤولية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
عبدالله الثاني ابن الحسين
عمّان في 27 ربيع الثاني 1434 هجرية
الموافق 9 آذار 2013 ميلادية