كلمة جلالة الملك خلال لقائه روؤساء واعضاء مجلس الوزراء ومجلسي الاعيان والنواب

كلمة جلالة الملك خلال لقائه روؤساء واعضاء مجلس الوزراء ومجلسي الاعيان والنواب

الأردنعمان
16 آب/أغسطس 2005

بسم الله الرحمن الرحيم

الإخوة الأعزّاء

الله يعطيكم العافية، وأهلا ومرحبا بالجميع في بيتكم وبيت كل الأردنيين، وأنا من زمان كنت أفكر بأنه يجب أن نلتقي كلنا مع بعض أعيان ونواب وحكومة، على اعتبار إنّه إحنا كلنا فريق واحد يعمل من أجل تحقيق هدف واحد ومصلحة واحدة وهي المصلحة الوطنية، التي لابدّ أن تكون فوق كل المصالح والاعتبارات.

وإذا سمحتم لي "خلينا نحكي بصراحة" ونعترف أن هناك بعض التّقصير، وفيه بعض الأخطاء وهذا التّقصير وهذه الأخطاء، لا تتحمّل المسؤولية عنها جهة أو طرف لوحده وإنّما هي مسؤوليّة الجميع.

أنا حكيت يا إخوان مرات عديدة إنه لا بدّ من العمل بروح الفريق الواحد، وإننا جميعا أعيان ونواب وحكومة شركاء في تحمّل المسؤولية وكلّنا في خندق واحد، وأن العلاقة بين السلطات الثلاث وخاصة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية لازم تكون علاقة تعاون وتكامل ومبنية على الثقة والاحترام والشعور بالمسؤولية المشتركة، لكن مع الأسف ما زالت أمامنا بعض مظاهر عدم الثقة وتبادل الاتهامات أو إلقاء اللوم والمسؤولية من كل فريق على الفريق الآخر، والمؤسف أكثر شدّ الحبل بين الحكومة والنواب "ومين اللي بيقدر يلوي ذراع الثاني".

وبصراحة أكثر يا إخوان إذا كان الإخوة النواب غير راضيين عن أداء الحكومة، فإن المواطنين "وأنا أعرف أبناء شعبي غير راضيين عن أداء الإخوة النواب".

وعندما نواجه مشكلة يبدأ كل واحد بتحميل المسؤولية لغيره أو يكتفي بموقف المتفرج أو المراقب، وبالتالي مطلوب من رأس الدولة أو الملك أن يتدخل وكأن المسؤولية مسؤوليته لوحده، لا يا إخوان المسؤولية مسؤولية الجميع وكلّ واحد لازم يقوم بواجبه ويتحمل مسؤوليته بشجاعة وإخلاص، ومن غير المعقول ولا المقبول أن يتدخل الملك في كل صغيرة وكبيرة أو يحمل المسؤولية لوحده.

ومن أيام الوالد رحمه الله كان بعض المسؤولين "لما بدّه يمشي قرار أو تكون النتائج سلبية، هذا المسؤول يحكي للناس والله كان عندنا توجيهات من فوق، يعني من الملك واليوم بصير نفس الشيء، لكن بدل ما يحكي توجيهات من فوق صارت توجيهات من رأس الهرم".

وأنا أعرف موقف كلّ واحد منكم الموجودين الآن في موقع المسؤولية أو الذين كانوا في موقع المسؤولية ومطلوب مني أن أتحمل الجميع وأستوعب الجميع، بروح الأب أو الأخ الكبير.

و هنا أتمنّى على كلّ واحد يا إخوان أن يعرف أنّه عندما يغادر موقع المسؤولية أو الكرسي فهذا لا يعني أنه معفى من المسؤولية، بالعكس هو جندي احتياط وعليه واجب ومسؤولية تجاه الوطن الذي أكرمه في يوم من الأيام ووضعه في موقع المسؤولية المتقدم.

أما عندما يكون الواحد في المنصب كلّ شيء صحيح وعندما لا يكون في المنصب كلّ شيء غلط فهذا منطق مرفوض وعيب.

الانتقاد يا إخوان ما فيه أسهل منّه لكن المهم هو طرح البديل والروح الإيجابية والشجاعة في مواجهة المشاكل ووضع الحلول الواقعية لهذه المشاكل.

على سبيل المثال هناك كلام كثير عن البطالة وعن تقصير في التصدي لهذه المشكلة وأنا مثل ما بتعرفوا كلكم أتابع هذا الموضوع باهتمام كبير وطلبت من الإخوان النواب أن يعطونا خطط وحلول لمعالجة هذه المشكلة في مناطقهم لكن مع الأسف ما وصلني أيّ شيء إلا من نائب واحد أو اثنين وهذا يعني إنّه لا يوجد متابعة ونحن جميعا نعرف أن السبب الرئيسي في هذه المشكلة هو ليس عدم وجود فرص العمل وإنما عدم الرغبة في العمل المهني أو اليدوي بمعنى أنّ هذه البطالة سببها مفاهيم اجتماعية غير صحيحة.

في بعض المحافظات وفّرنا مئات من فرص العمل وطلبنا من الشباب أن يستلموها وكانت النتيجة إنه لم يتقدّم منهم إلا عدد يساوي أصابع اليد الواحدة لأن كل هؤلاء الشباب يريدون وظائف مكتبية وفي نفس الوقت وجدنا أن أكثر الشابات والصبايا اللاتي وفرنا لهن فرص عمل مهنية أو يدوية التحقن جميعا بالعمل وكنَّ مرتاحات بهذا العمل وهذا شيء إيجابي ويرفع الرّاس.

وهذا الموضوع يقودنا إلى موضوع الواسطة وهنا أتمنّى على كلّ واحد من الإخوة النواب أو الأعيان أو الوزراء بدل ما يتوسّط لأحد الناس من أجل الحصول على وظيفة أن نحاول كلّنا تغيير نظرة أبنائنا وبناتنا للعمل وللوظيفة ولازم يفهموا أن العمل المهني أو اليدوي ليس أقلّ أهمية أو احترام أو حتى مردود مادي من عمل المكتب وأنّ الواسطة عمل غير شريف ولا يجوز أن يبدأ الواحد من أبناءنا أو بناتنا حياته العملية بأسلوب غير شريف أو بشكل من أشكال الفساد.

التحديات أمامنا كبيرة وهي بحاجة إلى جهد وعمل وإلى تعاون وشراكة حقيقية بين الجميع أما الحكي في الصالونات، وهي غير موجودة والحمد لله إلا في بعض مناطق العاصمة والتي يمارس بعض روّادها أو أصحابها تسريب الإشاعات والأخبار الكاذبه الى الصحافه الأجنبية لخدمة أجنداتهم الخاصة أو الاستقواء على هذا الوطن من خلال علاقاتهم ببعض الجهات الخارجية وأريد أن يعرف هؤلاء الأشخاص أن لا أحد يستطيع أن يستقوي على الوطن ولا علينا لأننا على حقّ وانتماءنا لهذا الوطن أقوى بكثير من كلّ من يحاول الاستقواء بأيّ جهة أخرى وأنا أعرف هؤلاء الأشخاص وأعرف أهدافهم وحركاتهم حتى أنا ما سلمت من الطّخّ والحكي الفارغ وهناك أيضا بعض الصحف الأسبوعية التي تمارس التنافس بينها في نشر الإشاعات والأكاذيب من أجل الربح المادي ولو على حساب المصلحة الوطنية والتي تمارس الطّخ بكلّ الاتجاهات وعلى كلّ المسؤولين فهذه يجب أن نترفـّع عن المشاركة فيها وعن ترويج ما يصدر عنها من إشاعات واتهامات وتجني على عباد الله والذي أريد أن يعرفه كلّ مواطن وكلّ مواطنة في هذا البلد أنني للجميع وما فيه عندي حدا مقرّب أو محسوب عليّ أكثر من غيره ومكانة أيّ مواطن أو مسؤول عندي هي بمقدار ما يخدم هذا البلد بإخلاص وأمانة وبغضّ النظر عن أيّ روابط أو علاقات إنسانية أو شخصية.

التحديات التي أمامنا يا إخوان أكبر بكثير من الوقوف عند مين بده يصير وزير أو بده يصير رئيس وزراء أو رئيس مجلس نواب أو أعيان، ومصلحة الوطن يا إخوان أكبر من كلّ المناصب ومن كلّ المكاسب وليس من مصلحة الوطن أن تصبح العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية علاقة صراع أو شدّ حبل ولا من مصلحة الوطن أن يتحوّل مجلس النّواب إلى ساحة معركة بين الكتل أو مراكز القوى مثلما يسمّيها بعض الإخوان.

أنا أعرف يا إخوان وأقدر مخاوف بعضكم من احتمال وجود مخططات لإعادة رسم خارطة المنطقة ومن تسوية بعض القضايا التاريخية على حساب الأردن والمقصود هنا موضوع التّوطين والوطن البديل وبصراحة يا إخوان نحن في الأردن من غرب النهر ومن شرقه ومن شمال الأردن وجنوبه يجب أن نتصدّى لأيّ مخطط يهدف إلى حرمان الأشقاء الفلسطينيين من حقهم في العودة إلى وطنهم أو حقهم في إقامة دولتهم المستقلة على التراب الفلسطيني وليس في أيّ مكان آخر لأنه إذا كان هذا المخطط موجود فهو مؤامرة على الشعب الفلسطيني مثل ما هو مؤامرة على الأردن ولست وحدي الذي يجب أن يتصدّى لمثل هذه المؤامرة إن كانت موجودة لا يا إخوان كلّنا يجب أن نتصدّى لهذا الخطر وأولنا الأردنيين الذين هم من أصول فلسطينية.

والذي أود أن يعرفه الجميع أن الطريق الوحيد أمامنا للوقوف في وجه أيّ مخططات إن كانت موجودة وأيّ أخطار تهدد هذا البلد هو أن يكون الأردن قوي ومتقدم اقتصاديا واجتماعيا وسياسيّا أما إذا كان لا سمح الله ضعيف فسوف يطمع فيه الأقوياء وإذا أردنا أن يكون الأردن قوي لازم نكون كلّنا فريق واحد ويد واحدة ولازم نواصل مسيرة الإصلاح والتحديث والتطوير وهذه المسيرة تلزمها تشريعات وقوانين وأيّ تأخير في إنجاز هذه التشريعات سيكون عائقا أمامنا وأمام المسيرة ونحن يا إخوان على أبواب مرحلة جديدة من التحديث والتطوير وهي تحتاج إلى تشريعات جديدة لذلك أرجو من الجميع أن نعمل بأقصى طاقاتنا وبأعلى درجات الشّعور بالمسؤولية.

وأنا عندما أتحدّث معكم بهذه الدرجة من الصراحة والشفافية فالمقصود هو المصلحة الوطنية والاستعداد للتصدي لأي مشكلة يمكن أن تواجهنا في المستقبل.

بارك الله فيكم والله يعطيكم العافية