خطاب جلالة الملك في القمة الخامسة عشرة لحركة دول عدم الانحياز

خطاب جلالة الملك في القمة الخامسة عشرة لحركة دول عدم الانحياز

جمهورية مصر العربيةشرم الشيخ
15 تموز/يوليو 2009
(ألقى الخطاب مندوباً عن جلالة الملك رئيس الوزراء نادر الذهبي)

بسم الله الرحمن الرحيم

فخامة الرئيس، أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والدولة والمعالي والسعادة، السيدات والسادة، يسعدني بداية أن أتقدم بأصدق التهاني لكم، فخامة الرئيس، على توليكم رئاسة حركة عدم الإنحياز للسنوات الثلاث القادمة، وأن أشكركم على حسن الضيافة والاستقبال اللذين حظينا بهما والوفد الأردني منذ ان وصلنا إلى بلدكم الشقيق.

وإنه لمن دواعي السرور أن تتولى الشقيقة مصر وفخامتكم قيادة الحركة في هذا الوقت الذي يشهد تطورات هامة وحساسة على صعيد إدارة العولمة والتعامل مع تحدياتها، بما في ذلك مشاكل التنمية وأزمة المناخ والتلوث البيئي وارتفاع معدلات الأميّة والأزمات السياسية وقضايا حقوق الانسان والحاكمية الرشيدة وإعادة التوازن للنظام الدولي، مما يستدعي تفعيل دور حركة عدم الإنحياز والانخراط في عملية صياغة الأجندة الدولية بما يخدم الأمن والسلام والاستقرار عالميا، ويحقق طموحات أعضاء هذه الحركة وتطلعاتهم للتنمية والتقدم الإجتماعي.

ولذلك كان من المناسب إختيار "التضامن الدولي من أجل السلام والتنمية" شعارا لهذه القمة، اذ ليس بمقدور دولة التعامل مع التحديات التي تواجهها بمعزل عن دول العالم الأخرى.

فخامة الرئيس، إن غاية ما تصبوا إليه الأسرة الدولية والمجتمعات والشعوب قاطبة هو العيش بأمن وسلام وتحقيق التنمية والرفاه والتقدم الاجتماعي.

لكن الوضع العالمي الذي يعاني من أكثر من أزمة، وعلى غير صعيد، يشكل عائقا جديا أمام التقدم في تحقيق هذا الطموح.

فما أن انتهت الحرب الباردة وما رافقها من جمود في العلاقات الدولية وسباق التسلح وتراجع الاهتمام بالتنمية وحقوق الانسان، حتى اندلعت الحروب الداخلية والنزاعات العرقية الى جانب تفاقم ظاهرة الإرهاب التي تشكل تحديا يتطلب مواجهتها تكاتف جميع الجهود.

كما أن الأزمة الاقتصادية المالية التي تأثرت بها جميع الدول، ولو بدرجات مختلفة، قد فاقمت من تبعات العولمة السلبية لا سيما مشكلة الفقر والمديونية وأزمة الغذاء العالمية، وما يمكن وصفه بظاهرة العنصرية وكراهية الأجانب والخوف من الإسلام.

ولقد كرّس الوزراء جزءا من اجتماعاتهم خلال هذه القمة لبحث الأزمة المالية العالمية، ولا بد أن ما توصلوا اليه إلى جانب نتائج القمة التي عقدت قبل حوالي شهر في الأمم المتحدة، وخصصت للنظر في أسباب الأزمة ستسهم في الحد من أثارها وإيجاد الحلول اللازمة لها.

لذلك، فإننا ننظر إلى هذه القمة وبقيادة مصر الشقيقة، كفرصة لتحقيق إنطلاقة جديدة في التعامل مع مختلف التحديات.

ومن الطبيعي أن تكون البداية من خلال معالجة مسألة القيادة على الصعيد الدولي، حيث نتطلع الى دور فعال للحركة في إطار متعدد الأطراف.

في هذا السياق، علينا أن نتذكر أن حركة عدم الإنحياز قد لعبت دوراً أساسيا في إبقاء الإعتبار لمنظمة الأمم المتحدة ودورها في حفظ الأمن والسلم الدوليين وتحقيق التنمية والاستقرار على أساس من الشرعية والعدالة.

فخامة الرئيس، إننا في الأردن نعتقد أن نقطة البداية لتحقيق التعاون الدولي والتضامن من أجل السلام والتنمية، يكمن في تجديد الثقة بالدبلوماسية المتعددة الأطراف وتفعيل دور الدبلوماسية الجماعية التي تمثلها الأمم المتحدة، وتنشيط دور الحركة في هذه المنظمة.

ومن حسن الحظ، أننا نلمس بوادر إيجابية من أكثر من جهة وفي مقدمتها توجهات إدارة الرئيس الأميركي باراك اوباما ومبادراته على صعيد إعادة الإعتبار للدبلوماسية، والإهتمام بدور المنظمة الدولية والتحرك بجدية لحل النزاعات الاقليمية التي تهدد الإستقرار العالمي وتستنزف جهود التنمية، وتعطل قنوات التعاون والتضامن.

ويأتي على رأس هذه النزاعات النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي وإطاره الأوسع المتمثل في الصراع العربي - الاسرائيلي، الذي تمثل مسألة تحقيق حل عادل وشامل له يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وخصوصا قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني، أولوية أساسية للأردن.

إننا نرى اليوم ملامح فرصة حقيقية لتحقيق السلام الشامل في المنطقة، ولهذا ندعو إلى تكثيف العمل في الفترة المقبلة، لتحقيق تقدم فعلي في جهود السلام عبر استئناف المفاوضات وعلى كافة المسارات؛ مفاوضات جادة ومباشرة تبدأ من النقطة التي انتهت إليها المفاوضات السابقة، وفي سياق إقليمي يضمن تحقيق السلام الشامل.

ويجب التأكيد هنا على ضرورة أن توقف إسرائيل جميع الأعمال الأحادية التي تعيق التوصل إلى السلام، وخصوصا الوقف الفوري والكامل لبناء المستوطنات وتوسعتها تحت أي مسمى، ووقف جميع الإجراءات التي تهدد هوية القدس وأهلها العرب المسلمين والمسيحيين.

ويشيد الأردن في هذا الإطار بالتزام المجتمع الدولي، وبخاصة رئيس الولايات المتحدة الأميركية باراك أوباما والإدارة الأميركية بتحقيق السلام الشامل في المنطقة، ويؤكد على الدور الهام الذي يمكن أن تضطلع به الولايات المتحدة في سبيل الوصول إلى تسوية عادلة وشاملة للصراع العربي-الإسرائيلي، على أساس إعادة جميع الحقوق العربية وإنسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة، ووفق المرجعيات المعتمدة، وخصوصا مبادرة السلام العربية التي تشكل فرصة تاريخية لتحقيق السلام الشامل والدائم.

وهنا لا بد لنا من التأكيد على ضرورة عدم إضاعة هذه الفرصة السانحة، لأن الإخفاق بالوصول إلى حل الدولتين وتحقيق السلام الشامل سيترك آثاراً سلبية وكارثية على المنطقة وعلى العالم أجمع.

فخامة الرئيس، إن هناك حاجة ملحة اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى بذل كل جهد ممكن من دول الجوار ومن المجتمع الدولي لمساندة العراق الشقيق، وبما يلبي طموحات كل العراقيين، عبر دعم التوافق الوطني العراقي وإشراك جميع المكونات العراقية في العملية السياسية، والوقوف إلى جانب العراق الشقيق في جهوده لحفظ الأمن والنظام والحفاظ على وحدة أراضيه وعدم التدخل في شؤونه الداخلية.

وفي هذا الصدد، يرحب الأردن بإعادة انتشار القوات الأميركية، باعتباره يشكل خطوة باتجاه استعادة العراق الشقيق استقراره وعافيته لينهض وليستعيد دوره الإقليمي والدولي.

ونحن في الأردن، يتواصل دعمنا لأشقائنا العراقيين والعمل بلا كلل لتطوير العلاقات بين البلدين في مختلف الميادين، والاستمرار بتوفير ظروف حياة كريمة لمئات الآلاف من أبناء العراق العزيز، الذين نستضيفهم لحين عودتهم سالمين إلى وطنهم في القريب العاجل، ان شاء الله.

ويؤكد الأردن حرصه على إستقرار وسلامة السودان الشقيق وتحقيق المصالحة الوطنية بين جميع الأطراف السودانية، وتثبيت قواعد السلام في مناطق السودان كافة، ويشدد على ضرورة الابتعاد عن كل ما من شأنه ان يعيق العملية السياسية فيه.

وأخيرا، اسمحوا لي أن أتقدم بالشكر لكم، سيادة الرئيس، على استضافة هذه القمة، متمنيا لكم التوفيق والنجاح في رئاسة حركة عدم الإنحياز.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.