خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني أمام الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي حول النمو الاقتصادي وإيجاد فرص العمل في العالم العربي

خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني أمام الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي حول النمو الاقتصادي وإيجاد فرص العمل في العالم العربي

الأردنالبحر الميت
22 تشرين الأول/أكتوبر 2011
(مترجم عن الإنجليزية)

بسم الله الرحمن الرحيم

أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،
السيدات والسادة،

أود قبل أن نبدأ هذا الاجتماع الخاص اليوم أن أعبر عن أحر التعازي لأخي خادم الحرمين الشريفين بوفاة الأمير سلطان بن عبد العزيز، ولي عهد المملكة العربية السعودية الشقيقة.

إن الأردن ينعى بوفاة الأمير سلطان رجل دولة مميز، وأحد المدافعين بقوة عن القضايا العربية والإسلامية. وأطلب منكم في هذا المقام مشاركتي بضع لحظات من الصمت.

تغمده الله بواسع رحمته.

بروفيسور شواب،
الضيوف الكرام،
أشكرك، وأشكركم جميعا على حضوركم معنا، حيث ينعقد هذا الاجتماع الخاص حول النمو الاقتصادي وإيجاد فرص العمل في العالم العربي في وقت في غاية الأهمية. وأود أن أرحب ترحيبا حارا بأصدقائنا الذين انضموا إلينا اليوم قادمين من قارات عدة.

بروفيسور شواب،
اسمح لي أن أشكرك شخصيا على عملك الدؤوب وصداقتك المخلصة لشعوب هذه المنطقة، حيث كان المنتدى الاقتصادي العالمي يحتضن حوارا عالميا حتى قبل ظهور وسائل الإعلام الجديدة والتواصل الاجتماعي بوقت طويل. فعندما تلتقي العقول المبدعة، تترسخ الحلول الذكية. وهذا ما آمل أن يتحقق هنا بفضلكم جميعا.

أصدقائي،
تقف منطقتنا اليوم أمام بوابات المستقبل.
فهناك أولا بوابة الكرامة... والتي  نعبر منها لتعزيز الاحترام الذي تستحقه شعوبنا وإلى حصولهم على حقوقهم، بلا استثناء، وفي الانطلاق نحو الآفاق الرحبة التي يتمتع بها الآخرون في العالم كله. وعند هذه البوابة تجمع الطامحون من الرجال والنساء والشباب والحالمين في الربيع العربي.

وهناك ثانيا بوابة الفرص... الفرص الاقتصادية التي يستحقها الملايين من أبناء شعوبنا، شبابا وكبارا وسكان حواضر وقرى وبادية. ولتوسيع مداخل هذه البوابة، هناك حاجة ماسة لرجال الأعمال الرياديين والمبتكرين والتربويين وصناع السياسات، ليس لتحرير الناس من الصعوبات الاقتصادية الحالية فحسب، بل للتمهيد والإعداد لإيجاد 85 مليون فرصة عمل جديدة تحتاجها المنطقة قريبا.

والبوابة الثالثة... هي بوابة الديمقراطية، ليس فقط كبنية سياسية، ولكن كأسلوب حياة. وهي المدخل نحو الإصلاح الحقيقي الذي يجتمع حوله الناس من مواطنين وشركاء: يجتمعون تحت مظلة أحزاب سياسية ويضعون البرامج ويجمعون عليها. وليس هناك سبيل أوحد ينطلق من هذه البوابة، بل يجب أن تأتي الحلول من داخل كل بلد من بلدان المنطقة.

والبوابة الرابعة... هي بوابة السلام والعدل التي تفتح الباب للخروج من الأزمة الإقليمية، والتي يكمن جوهرها على وجه الخصوص في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. قد يعتقد البعض، ممن ابتلوا بقصر النظر، أنهم يستطيعون أن يغلقوا هذه البوابة، ولكن مستقبل الشرق الأوسط وما وراءه يصب في تحقيق السلام كوضع طبيعي، السلام القائم على حل الدولتين، إحداهما دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، حسب ما تنص عليه قرارات الأمم المتحدة، وبما يؤدي إلى معالجة قضايا الوضع النهائي جميعا. وهناك إسرائيل التي يتحقق لها الأمن والقبول. وإذا ما تحقق ذلك، فسوف تبدأ حقبة من السلام والتعاون في منطقة تمتد بين المحيطين الأطلسي والهندي.

ولا تغني واحدة من بوابات المستقبل العربي عن الأخرى، إذ يجب أن نمر عبرها جميعا. فالكرامة والفرص والديمقراطية والسلام والعدل لا يمكن الفصل بينها. ولتحقيق التقدم في مجال واحد يجب علينا التقدم في جميع المجالات.

إن اجتماعاتكم هنا تركز على مجال ينطوي على حاجة ملحة، وهو النمو الاقتصادي وإيجاد فرص العمل. ومن الصعب أن تجدوا اهتماما لدى شعوبنا أكبر من اهتمامها بهذين المطلبين، خصوصا بين الشباب الذين يشكلون أغلبية سكان المنطقة.
 
إن الشرق الأوسط يعاني اليوم من أعلى معدل بطالة بين الشباب في العالم، وتزيد جيوب الفقر من تفاقم الوضع. وقد تأثرت الأسر في كل مكان بما خلفته الأزمات العالمية من نتائج في مجالات الغذاء والطاقة وحتى التمويل. لقد فتحت أحداث هذا العام الطريق أمام التغير الإيجابي، ولكنها أدت في العديد من الأماكن إلى اختلالات اقتصادية مؤلمة. ولذا، فهناك حاجة ماسة إلى استراتيجيات تغطي كافة جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية وصناعة السياسات والحياة الاجتماعية والقيم الثقافية.

لقد أثبت ستيف جوبز أنه بإمكان الناس الذين "يفكرون بطريقة مختلفة" أن يغيروا العالم. سوف نفتقده كثيرا، ولكن إلهامه سيبقى ويدوم. ولا أبالغ في القول بأنه يوجد مليون رجل وامرأة من ذوي العقول التي لا تقل إبداعا أو جرأة، هنا في العالم العربي تحديدا. وهؤلاء جاهزون لأخذ فرصتهم ليفعلوا شيئا. وبإمكانهم، وبإمكاننا جميعا، أن نغير عالمنا.

وعند الحديث عن إيجاد فرص عمل للناس، هنالك ثلاث مجموعات لها أدوار خاصة. تتمثل المجموعة الأولى في القطاع الخاص الذي له مصلحة كبيرة في تحرير الناس من قيود البطالة. وكذلك فإن وجود طبقة وسطى آمنة ومتفائلة بالمستقبل سوف يحقق الاستقرار لمنطقتنا أكثر من أي مورد آخر. ولتحقيق ذلك، نحتاج إلى تطبيق أساليب إبداعية في كل المجالات. ففي الأردن على سبيل المثال، شهدنا نموا هائلا في مجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات كان روادها أشخاص من ذوي الرؤية ممن استبصروا احتمالات نشوء سوق إقليمي جديد، مدعومين باستثمارات وطنية في مجال البنية التحتية والتعليم. وهناك إمكانيات كامنة عظيمة قي قطاعات أخرى تحتاجها منطقتنا مثل المياه والطاقة البديلة، والتي تستطيع بدورها فتح أسواق عالمية جديدة. وقد نضجت الظروف لأخذ زمام المبادرة حيال احتمالات أخرى، وأرجو أن تكتشفوا بعضها في اجتماعكم هذا.

أما المجموعة الثانية التي تساهم في إيجاد فرص العمل فهي الحكومات ذاتها. ولنكن واضحين، فإن الإصلاح السياسي هو إصلاح اقتصادي في ذات الوقت. فلكي تتشجع الشركات على الاستثمار والتوسع بثقة، فإنها تحتاج إلى ميدان مستقر واضح المعالم وقابل للتنبؤ، وتحتاج إلى الشفافية ونظام مساءلة وسيادة القانون وأساس منيع ومستقر لحياة سياسية يشارك الجميع فيها.

وهذه هي العناصر الأساسية في جهود الإصلاح في الأردن. فبالنسبة لنا شكل الربيع العربي فرصة للمضي إلى الأمام. ونسعى إلى سبيل يتحقق فيه الإصلاح توافقيا وتدريجيا بحيث ينخرط الجميع على المستويات كافة. لقد حددنا معالم الطريق ونحن ملتزمون بها. فالتعديلات الدستورية الجديدة تحمي الحقوق المدنية والحريات، وتنص على تأسيس محكمة دستورية مستقلة وهيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات. وسوف تصاغ تشريعات واسعة النطاق لتنفيذ هذه الأحكام الدستورية. ونحن مقبلون على انتخابات بلدية ونيابية قريبا.

والمجموعة الرئيسية الثالثة ذات الأثر في إيجاد فرص العمل هي بالطبع شعبنا نفسه. إن بناء مستقبل منطقتنا مسؤولية يتحملها الجميع. وهذا ينسحب على الحياة السياسية، وكذلك على مستقبل اقتصادنا. فلا يمكننا توفير الوظائف التي نسعى لتوفيرها بالأماني، لكن بإمكاننا المساهمة في نمو الفرص الاقتصادية من خلال ما نقوم به: إنتاجية قوية ومتنامية واستثمارات وصناعات جديدة وروح الابتكار والريادة. ولكي نحقق ذلك، نحتاج إلى مساهمة كل فرد: نحتاج إلى الموظفين الذين يؤدون عملهم بإخلاص ومهنية، ومدراء يتصرفون بخلق ويؤدون عملهم بكفاءة، ورؤساء تنفيذيين يمارسون القيادة بجرأة ومسؤولية، ومتطوعين من المجتمع المدني وشباب ممن يهتمون بمجتمعاتهم، لكي يحسنوا من أحوالها ويساعدوا الآخرين على تحقيق إمكانياتهم.

أصدقائي،
كلنا نعرف القناطر العالية في الهندسة المعمارية الإسلامية الكلاسيكية. إن تصميمها يعتمد على العديد من الحجارة الفردية، حيث يتم استخدام قوة كل واحد منها لتعمل جميعا بتوافق كامل كي يقوم البناء ككل. فلا يمكن لهذا البناء أن يقوم وأن يصمد بدونها جميعا.

واليوم نحتاج الجميع كي ننهض بحياتنا السياسية والاقتصادية. فلو عملنا معا، ولو قمنا بعملنا بكل ما نملك من عزم، فاعتقد أننا حينها سنصنع المستقبل الذي يليق بشعوبنا. تمنياتي لكم جميعا بالتوفيق في جهودكم في هذا اليوم والأيام القادمة.