مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحيفة واشنطن بوست

أجرى المقابلة: 
لالي وايموث
For: 
صحيفة الواشنطن بوست
22 حزيران/يونيو 2008

أثناء أسبوع مضطرب في الشرق الأوسط، تحدث الملك عبد الله ملك المملكة الأردنية الهاشمية، في البتراء، مع لالي وايموث مندوبة "نيوزويك" - "وشنطن بوست" حول احتمالات السلام العربي - الإسرائيلي، وما يشتبه به على أنه برنامج إيران النووي، والعراق.

وهذه مقتطفات من الحديث:

واشنطن بوست: هل تعتبر عملية السلام التي اتفق عليها في أنابوليس ميتة؟

جلالة الملك: أنا في الواقع قلق جداً منذ زيارة الرئيس بوش إلى المنطقة، إلى إسرائيل، والمملكة العربية السعودية، ومصر. وأعتقد أن العملية السلمية فقدت مصداقيتها في أذهان الناس في هذه المنطقة. لقد قامت وزيرة الخارجية كونداليزا رايس بزيارة المنطقة، وهي تعمل بصورة وثيقة جداً مع الإسرائيليين والفلسطينيين لدفع العملية إلى الأمام.. ونحن جميعاً متشائمون جداً في هذه المرحلة.

واشنطن بوست: هل ترى في إيران الخطر رقم واحد في هذه المنطقة؟

جلالة الملك: أعتقد أن عدم تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين هو الخطر الرئيسي. ولا أرى أن هناك إمكانية لخلق حل يقوم على إيجاد دولتين بعد انتهاء عام 2008، وعام 2009. وأعتقد أن هذه فعلاً هي الفرصة الأخيرة. وإذا ما فشل هذا المسعى، فسيكون هو الخطر الرئيسي للشرق الأوسط: هل سنشهد ستين عاماً أخرى من "إسرائيل التي تعيش بعقلية القلعة" أم من إسرائيل التي تعيش في جوار تندمج فيه بشكل حقيقي؟ هذا هو التحدي، وأنا قلق جداً لأن الوقت يمر ولأن الأبواب تُغلق في وجوهنا جميعاً.

واشنطن بوست: ولكن ألست قلقاً بأن إيران تشكل خطراً على بلدك وعلى البلدان الأخرى في المنطقة؟

جلالة الملك: تشكل إيران قضية لبعض الدول، مع أنني لاحظت خلال الشهر الماضي أو ما يقارب ذلك أن الديناميكيات تغيرت بصورة دراماتيكية، ولأول مرة أعتقد أنه ربما أمكنني القول إن إيران ليست ذلك الخطر الداهم. ولكن إذا لم تتحرك عملية السلام إلى الأمام، فعندها أعتقد أن التطرف سيستمر في أن يطغى على المواقف المعتدلة التي يتخذها عدد من الدول. لقد وصلنا إلى مفترق طرق، ولست متأكداً تماماً أي اتجاه سنسلك.

واشنطن بوست: هل تعتقد أن الراديكالية والتطرف انتصرتا على الاعتدال في هذه المنطقة؟

جلالة الملك: إذا لم نكسب في عملية السلام، وإذا لم نتمكن من إيجاد حل يقوم على دولتين (إسرائيلية - فلسطينية)، فمن المؤكد أنه سيكون هناك المزيد من الغليان والمزيد من عدم الاستقرار. وأعتقد أن هذا سينقل الرسالة الخطأ إلى المتطرفين، وهي أن الوسيلة الوحيدة لإدامة فلسفتهم تكون من خلال النزاع. والآن، عندما يتصل الأمر بإيران، فأنا أدعم بصورة ما أشهده في أوروبا والغرب، من أناس يرغبون في الانخراط. فنحن بلد ومنطقة يدعمان الحوار، في مواجهة النزاع. ومرة ثانية، إذا كان هناك نزاع، مع إيران في هذه الحالة بعينها، فلست متأكداً تماماً إلى أين سيقودنا هذا. أعتقد أنكم تتلاعبون بصندوق "باندورا". وأعتقد أننا مررنا بما يكفي من الأزمات في هذا الجزء من العالم.

هذه العبارة مكررة في نهاية المقابلة... عمر

واشنطن بوست: إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتواصل مع حماس لتشكيل حكومة وحدة وطنية ثانية. ما رأيك في هذا؟

جلالة الملك: لدى أبي مازن، في اعتقادي، بعض الثوابت الصارمة التي وجهها لحماس. أما إذا كانت حماس ستقبل بها أم لا، فذلك أمر آخر. ولكن هناك حوار يجري في الوقت الحاضر. وعلينا أن ننتظر ونرى. لقد مررنا بهذه العملية من قبل، حيث جلست الفصائل حول الطاولة ولكنها لم تتوصل إلى اتفاق في نهاية المطاف. وننتظر لنرى أين سيصل بنا هذا الأمر.

واشنطن بوست: هل تحبذ تشكيل حكومة وحدة وطنية (فلسطينية)؟

جلالة الملك: هذا يعتمد على ماهية الأهداف. فالوجه المنتخب والرسمي للفلسطينيين هو المجلس الوطني الفلسطيني، ولهذا فإن الأمر يعتمد على ما يمكن أن يتفق عليه أبو مازن وفتح أو حماس. وإذا ما اتفقوا على مبادىء تسعد الطرفين، فهذا شيء جيد.

واشنطن بوست: كيف ترى الأمور في العراق اليوم؟

جلالة الملك: أنا فعلاً متفائل لأول مرة حول العراق. وأعتقد أن المجتمع العراقي يتحرك في الاتجاه الصحيح. وهي المرة الأولى التي أشعر فيها أن العراقيين تمكنوا، إلى أقصى درجة ممكنة، من توثيق العُرى بينهم وصولاً إلى الوحدة. لقد عملوا معاً - أكراداً، وشيعةً، وسنة- لتحسين أوضاع العراق في الشهرين الأخيرين. وها هي فرصة تلوح للدول العربية للتواصل مع العراق، وهو ما لم نفعله في الماضي، ومد يد الصداقة للعراقيين وتقديم الدعم الذي يحتاجون إليه لتحقيق الخطوة التالية. وإذا لم نقم بذلك، فسيكون في هذا خسارة للعراقيين وللعرب المعتدلين.

أعتقد أن أمامنا فرصة خلال الأشهر القادمة، لأن نبدأ فعلاً صفحة جديدة مع العراق. وقد بدأت الدول في إرسال سفرائها إلى العراق، وننظر في إرسال سفيرنا إلى بغداد. وقد كانت زيارة رئيس الوزراء (العراقي) نوري المالكي إلى الأردن، في الأسبوع الماضي، ناجحة جداً.

واشنطن بوست: في داخل الأردن، تبدو الأمور صعبة الآن نتيجة لغلاء أسعار الغذاء والسلع الأخرى.

جلالة الملك: أعتقد أن الحال هو نفسه في جميع أرجاء العالم. وسنواجه مشكلة رئيسية فيما يتعلق بالأسعار التي تواصل الارتفاع وهموم الغذاء، على مدى السنوات القادمة. ونحن ننظر في الكيفية التي يمكننا من خلالها الاستمرار في دعم الطبقة الوسطى والطبقة الفقيرة، للتأكد من حصولهما على حاجتهما من الطعام، ومن ثم الإبقاء على العجز في الميزانية تحت السيطرة. لقد كانت أسعار النفط صدمة كبيرة. والأمور في الصيف أسهل، ولكن عندما يحل الشتاء فإن قضية التدفئة ستكون مشكلة رئيسية. إننا نسعى لتوفير أشكال بديلة للطاقة. وننظر في الحصول على الطاقة النووية.

واشنطن بوست: لقد رأيت التصريح الذي ورد على لسانك (في الصحيفة الإسرائيلية) هآرتس، والذي تقول فيه "إن الجميع يتجهون إلى الحصول على برامج نووية".

جلالة الملك: لقد قلت ذلك من قبل في الولايات المتحدة الأميركية، ولكن عندما صرحت به لصحيفة هآرتس، غدا خبر الساعة - إذ أعلنت أن الأردن يتجه إلى أن يصبح دولة نووية.

واشنطن بوست: إن الناس يتساءلون: إذا كانت غدت إيران دولة نووية، ألا يحرك ذلك الدول الأخرى في المنطقة إلى أن تحذو حذوها؟

جلالة الملك: هذا ما قلته إجابةً على السؤال: "ما الذي سيحدث إذا غدت إيران دولة نووية؟" فقد قلت إن هناك غموضاً نووياً في هذا الجزء من العالم الذي نعيش فيه. فليس هناك من يعرف، على وجه التأكيد، ما لدى إسرائيل، وليس هناك من يعرف على وجه التأكيد ما الذي تقوم به إيران. وقلت حتى الأردن نفسه ينظر في مسألة الحصول على الطاقة النووية. ونحب أن نرى أنفسنا أنموذجاً متميزاً للشفافية. وأعتقد أن إحدى الوسائل الرئيسية التي سنتبعها فعلاً ستكون من خلال القطاع الخاص. وهكذا لا يمكن لأحد أن يساوره القلق حول نوايا الأردن فيما يتصل بالطاقة النووية.

واشنطن بوست: يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية ستبيع للمملكة العربية السعودية المكونات اللازمة لإنتاج الطاقة النووية.

جلالة الملك: لقد وقعوا اتفاقية. وقبل أربع سنوات قام الرئيس بوش فعلاً بتشجيعنا على الحصول على الطاقة النووية. وقد وقعت الولايات المتحدة الأميركية اتفاقية في هذا الشأن مع المملكة العربية السعودية، ولكن الأردن ستعمل بصورة أسرع كثيراً من الدول الأخرى للحصول على الطاقة النووية.

واشنطن بوست: يقال إن المملكة العربية السعودية وتركيا تقومان ببناء مفاعلات نووية.

جلالة الملك: إنهما لا تواجهان ما نواجهه من ضغوطات في هذا السياق، ولذلك ستكون المسيرة بالنسبة لنا أسرع كثيراً. وربما سنكون أول بلد في هذا الجزء من العالم الذي نعيش فيه، يقوم فعلاً بالسعي للحصول على الطاقة النووية من خلال القطاع الخاص.

واشنطن بوست: إنني أذكر أنك حذرت قبل نحو عامين من الخطر الذي تمثله إيران على الأنظمة العربية المعتدلة. أليست إيران وسوريا أكبر فائزين اليوم في هذه المنطقة؟

جلالة الملك: إذا ما نظرنا إلى ما حدث في لبنان قبل شهرين (عندما استهدف حزب الله القوات الحكومية في حرب شوارع للحصول على تنازلات سياسية رئيسية)، فأعتقد أن المفهوم هنا هو أن إيران ووكلاءها فازوا بتلك الجولة. وعلينا أن نكون حذرين تجاه ما يحدث في الجولة الثانية. ومرة ثانية، هذا هو سبب اهتمامي وقلقي الشديدين تجاه العملية السلمية.

واشنطن بوست: لمَ لم ينهض أحد لمساعدة حكومة لبنان؟

جلالة الملك: إنني أشعر بالصدمة والدهشة مثلما تشعرين بهما. والجزء المحزن في الأمر هو أن علينا أن نتوخى الحذر الشديد. فعدم وجود عملية سلمية يؤثر على مصداقية أميركا في هذا الجزء من العالم. وإذا لم نحرز فعلاً بعض المكاسب على الأرض، فإن النفوذ والتأثير الأميركيين سيتقلصان بصورة دراماتيكية.

واشنطن بوست: يصعب علينا أن نتصور إمكانية تحرككم إلى الأمام وحماس تطلق الصواريخ على إسرائيل كل يوم. ويصعب علينا أن نتصور إمكانية التوصل إلى اتفاقية والضفة الغربية وغزة مقسمتان بين حماس والسلطة الفلسطينية.

جلالة الملك: ... تبرز حماس دائماً كقضية. ولكننا لا ننظر إلا إلى نصف المعادلة فقط. فالكل يسارع إلى الحديث عن كيفية عزل حماس، ولكن ليس هناك نقاش كاف عن كيفية دعم فتح. وإذا كانت سياسة الغرب هي عزل حماس والضغط عليها، ولكننا لا نقوم بأي شيء للتخفيف من حواجز الطرق، ولتمكين الأطفال من العودة إلى المدرسة، وللسعي لإيجاد وظائف، فكيف نتوقع من فتح وأبي مازن أن يتمكنا من تقوية أنفسهما؟ يبدو أن هناك مهمة هدفها المزيد من العزلة لحماس، ولكن ليس هناك أي محاولة، كما أرى، لتقوية أبي مازن أو لجعل فتح هي الفائز في الشارع.

واشنطن بوست: ألم يكن الاتفاق الدولي الذي أبرم حديثاً حول لبنان في الدوحة، صفقةً كبيرة عقدها المجتمع الدولي على حساب الحكومة اللبنانية؟ ألم يعط الاتفاق حزب الله، بصورة أساسية، حق الفيتو على جميع القرارات الحكومية؟

جلالة الملك: أعتقد أن اتفاق الدوحة ربما عمل على تهدئة الموقف والحيلولة دون تراجعه بصورة أسوأ. واتفاق الدوحة لم يحل المشكلة بصورة تامة في لبنان.

واشنطن بوست: لقد كنت على الدوام مدافعاً إلى درجة كبيرة عن رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة.

جلالة الملك: وأنا مستمر في هذا.

واشنطن بوست: ولكن ألم تفقد حكومته سلطتها في الدوحة وعلى الأرض لصالح حزب الله؟

جلالة الملك: أعتقد فعلاً أنها مازالت جزءًا من الصورة الأكبر. والصيف والخريف سيظهران فيما إذا كان اتفاق الدوحة شيئاً نهائياً، وفيما إذا كان قد أعطى اللبنانيين بداية جديدة، أم أنها جزء من شيء آخر.

واشنطن بوست: هل هناك أي مجال لأن يقوم السعوديون بتخفيض سعر النفط؟

جلالة الملك: يقولون إنهم حتى لو زادوا إنتاج النفط، فإن هذا لن يؤثر كثيراً على أسعار النفط. ولكن المشكلة الرئيسية هي ليست النفط فحسب بل والسلع الأساسية أيضاً. فنحن نحتاج إلى السكر. والمنتوجات الزراعية ستكون هماً رئيسياً يشغل بال كل واحد منا على مدى السنتين القادمتين.

واشنطن بوست: إذن أنت لست من محبذي القيام بعمل عسكري ضد إيران؟

جلالة الملك: لست من محبذي القيام بعمل عسكري ضد إيران. وأعتقد أنكم ستكونون عندها كمن يعبث بصندوق "باندورا".

واشنطن بوست: إذاً أنت مستعد للعيش مع إيران نووية؟

جلالة الملك: ما الذي تعنيه بإيران نووية؟ بعض الناس يقولون إن لديهم برنامج أسلحة نووية، وبعضهم الآخر يقول إنه ليس لديهم مثل هذا البرنامج. وآخر تقدير أعدته الاستخبارات الأميركية، وقد صدر قبل نحو شهرين، يفيد إن برنامجهم النووي تقلص أو توقف. والآن ، فإن وجهة النظر البريطانية - الإسرائيلية حول هذا الأمر ليست بمستوى إيجابية وجهة النظر الأميركية؛ هكذا قيل لي.

واشنطن بوست: إن وجهة النظر الأميركية مفادها أن البرنامج العسكري كان يتقلص في عام 2003، ولم يتوقف.

جلالة الملك: أعتقد أن عليكم أن تشتركوا مع الإيرانيين في بحث هذا الأمر، فأي ضربة عسكرية لإيران اليوم ستـحدث رد فعل من إيران ووكلاء إيران، ولا أعتقد أنه يمكننا العيش مع المزيد من النزاعات في هذا الجزء من العالم.