مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع رئيس تحرير صحيفة الدستور الدكتور نبيل الشريف
كنت أجول بصري بين الصور التي حملت وجوه الملوك والأشراف الهواشم من مطلع القرن، حين قاطعني خيال أحد شباب التشريفات الملكية، وجاء صوته معتذراً عن التأخير بسبب تمديد "موعد سابق لموعدي في غاية الأهمية". وما كان مني إلا أن بادلته الابتسامة والتطمين بأنني استغل الوقت لترتيب أفكاري وأسئلتي.
غاب الشاب، وعاد داعياً إياي للتوجه إلى القاعة حيث سأتشرف بلقاء جلالة سيدنا لإجراء مقابلة صحفية. فحثثت الخطا وراءه إلا أن مجسماً مستطيلاً وضخماً قطع بيني وبينه! تأملت المجسم الذي توستطه عبارات "الأزرق"..."مقاس الرسم"..."أراضي مخصصة للسكن"..."مشاريع سياحية" وعبارات أخرى أعجز عن استرجاعها الآن.
وانساب بعد المجسم عدد من الأشخاص يحملون ملفات فيها رسومات بيانية وصوراً جويةً، وجداول مطولة، يتكلمون فيما بينهم عن تفاصيل الاجتماع الذي كانوا فيه، أحدهم يقول: "لم أتوقع أن يكون الاجتماع تفصيلياً إلى هذا الحد! جلالته ملم بأدق الأمور، ويعول على هذا المخطط كثيراً".
في هذه الأثناء قاطع إنصاتي صوت موظف التشريفات الملكية مستحثاً خطاي، فأسرعت حتى استويت بين يدي وفي حضرة جلالته، الذي وجدته مبتسماُ مرحباً؛ مطمئناً على أحوالي وأحوال الأسرة الصحفية. طمأنته سريعاً وطلبت من جلالته تحمل طبعي الصحفي اللحوح، لأني سأعاجله بسؤال مهم! فرحب، وسألت: "مولاي، ما حكاية المخططات والمجسمات، وما سبب حديث الخارجين من الاجتماع؟"
أجاب جلالته: "لقد تأثرت جداً بزيارتي إلى الأزرق، وهذه هي الزيارة الثانية خلال بضعة أعوام لمست فيها تحسناً ضئيلا، ولكنني لست راض عن مستوى الإنجاز حتى الآن. وقد وعدت أهلنا في الأزرق بمخطط شمولي نعالج من خلاله استخدام وتوزيع الأراضي وصولا إلى تنمية شاملة".
تابعت بمداخلة: "ولكن مولاي، من خلال مشاهداتي وقراءاتي للزيارة، لاحظت أن معظم الهموم تركزت على توزيع الأراضي. وإذا ما استرجعنا التاريخ، خاصةً نظام ملكية الأراضي الأميرية والخاصة في زمن الدولة العثمانية وما بعدها، فإننا نذكر أن جدكم المؤسس، المغفور له بإذن الله، الملك عبدالله الأول، قد بدأ مرحلة البناء والتأسيس بالتنازل عن الأراضي الأميرية لصالح الدولة والمواطنيين. وها أنتم اليوم مولاي تتابعون النهج، وتحرصون على منح ملكية الأراضي للمواطنيين لتوفير المساكن الملائمة لهم في وقت ما زالت فيه أراضي بعض الدول مسجلة بأولياء أمورها".
سريعا جاء تعليق جلالته دافئاً ومؤكداً أن "همه الأول والأساسي ينصب على توفير الأرض والسكن المناسب للمواطنين، خاصةً موظفي القطاع العام وأفراد القوات المسلحة والمتقاعدين وذوي الدخل المحدود". وأضاف: "هذا ما سيسعدني: أن يمتلك المواطن السكن المناسب وأن تتوفر له سبل العيش الكريم، وهذه هي العدالة التي نريدها أن تبقى الأساس والنهج في مملكتنا دائما وأبدا".
كانت هذه توطئةً ومدخلاً للحديث الشفاف والصريح الذي تشرفت شخصياً وتشرفت الدستور بحمل سطوره على صفحاتها اليوم. وآثرت أن أبدأ بموقف يكثف شخصية قائدنا ومليكنا، الذي يكرس نفسه لخدمة الأردن والأردنيين.
والدستور تنقل اليوم إلى القراء بعضاً من حكمة القائد، وبصيصاً من رؤيته المستقبلية لخدمة الوطن والمواطن، وفيما يلي نص الحديث الملكي:
الدستور: هناك تحديات عديدة تواجه المملكة على الصعيد الداخلي وفي مقدمتها التحديات الاقتصادية، حيث أن هناك حالة من القلق تنتاب الشعب الأردني وخاصة فئة المواطنين من ذوي الدخل المتدني والمحدود، فماذا تقولون جلالتكم؟
جلالة الملك: إنني أدرك المعاناة التي يمر بها المواطن الأردني جراء الصعوبات الاقتصادية والمعيشية، والتصدي لهذه الصعوبات يتصدر اهتمامي وأولوياتي. ونحن بدورنا لن نتخلى عن المواطن وسنعمل جاهدين لمعالجة الآثار الاقتصادية لارتفاع الأسعار خاصةً على ذوي الدخل المتدني والمحدود. ولقد وجهت الحكومة ومنذ فترة لإيجاد مظلة شاملة للأمان الاجتماعي من أجل التعويض المباشر للمتأثرين بارتفاع الأسعار، وخاصة من فئة الأقل حظا. كما أكدنا على ضرورة إيجاد معادلة تربط بين زيادة الرواتب ومعدلات التضخم، وشمول جميع الأسر غير المقتدرة وغير المستفيدة من التأمين الصحي بمظلة هذا التأمين.
أنا أعلم جيدا ومن خلال تشرفي بالخدمة في القوات المسلحة الأردنية، وتواصلي مع أخواتي وإخواني في مختلف المحافظات، الأهمية التي يوليها المواطن الأردني للسكن الكريم له ولعائلته. وكما وعدت اخواتي واخواني في خطاب العرش بأن يكون عام 2008 "هو عام الإسكان"، فقد وجهت الحكومة للعمل على الانتهاء من تصور كامل لبرنامج إسكاني شامل يعكس رؤيتنا لتطوير مبادرة وطنية للإسكان يستفيد منها موظفو القطاع العام ومنتسبو القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والمتقاعدون، والمواطنون ذوو الدخل المحدود. وقد كلفت الحكومة بإنشاء مؤسسة تختص بتمويل المشاريع الإسكانية، بحيث يتمكن المواطن، من الحصول على السكن الملائم، بما يتماشى مع مستوى دخله، وعلى نحو لا يتحمل فيه أعباءا كبيرة، . وسنعلن خلال الأسابيع القادمة إن شاء الله عن هذه المبادرة الوطنية وتفاصيلها، وبرنامج تنفيذها.
الدستور: هل أنتم راضون جلالة الملك عما تم تحقيقه من إنجازات لغاية الآن في مسيرة التنمية المستدامة؟
جلالة الملك: أنا فخور بما حققه الأردن خلال الفترة الماضية من نمو اقتصادي فاق التوقعات، ولمسنا حتى الآن تطورا وتقدما نوعيا في كثير من المجالات، ولا سيما التعليم، كما تؤكد المؤشرات على زيادة فرص العمل المتاحة للأردنيين وعلى الزيادة في الانتاجية. ولمسنا أيضا شراكة فاعلة وإيجابية بين القطاع الخاص والقطاع العام. كما أشاهد تصميما أكيدا على السير قدما في هذا المسار من مختلف الجهات الرسمية والأهلية.. ولكنني حتى الآن لست راضيا عن عدم انعكاس هذا النمو والتحسن على شرائح عديدة في المجتمع الأردني. ونريد أن نرى توزيعا أكثر عدالة للنمو الاقتصادي ينعكس على مستوى الدخل للمواطن وعلى وضعه المعيشي. وهذا بالطبع هو التحدي الأكبر للحكومات، والتي يجب أن تضع السياسات اللازمة لضمان تحقيق العدالة في توزيع مكتسبات التنمية، وفي تحسين مستوى الخدمات التعليمية والصحية والإسكانية في مختلف المناطق في المملكة.
وهذا كان أحد الأسباب الرئيسية لإطلاقنا العديد من المبادرات التنموية، وفي مقدمتها إقامة مناطق تنموية في المفرق وإربد ومعان، لتكون نواة للأنشطة الاقتصادية التي ستساهم في تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وتجذب الاستثمارات.
إن شاء الله سنرى نتائج هذه المشاريع والمبادرات خلال السنوات القادمة، ونحن مصممون على إنجاحها، بإذن الله، كما نجحت منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة. كما نولي الاهتمام لإنشاء مشاريع تنموية مختلفة في عجلون والشوبك والطفيلة والكرك وجرش والبلقاء وفي مناطق الأغوار ووادي عربة والأزرق.
الدستور: كيف ترون جلالتكم جهود الحكومة بهذا الاتجاه؟
جلالة الملك: إننا نتابع بارتياح الجهود التي تقوم بها الحكومة للتواصل مع المواطنين، والوقوف على مشاكلهم واحتياجاتهم في مختلف المحافظات. ونحن نوجه الحكومات باستمرار للخروج إلى الميدان لتكون بين الناس ومعهم، تتعرف على أوضاعهم ومشاكلهم واقتراحاتهم، ولتكون قريبة منهم تطلعهم على إجراءاتها وبرامجها الهادفة إلى توفير الحياة الكريمة لهم، وكذلك لمتابعة المشاريع والبرامج المعنية بتحسين مستوى حياة الأردنيين.
وبالنسبة لي، فإن الإنجاز كان وسيبقى الأساس في تقييم عمل أي حكومة، والإنجاز الأهم في رأيي هو تمكين المواطنين من إيجاد فرص العمل، وتوفير الخدمات الأساسية لهم ولعائلاتهم. ولدينا الكثير من الدراسات التي تم تحضيرها بعناية على مدى السنوات الماضية، والمطلوب الآن هو التنفيذ، كي نتمكن من إنشاء المشاريع الاقتصادية ليس فقط في العاصمة، وإنما في مختلف المحافظات في المملكة.
الدستور: في الشأن السياسي جلالة الملك، أين وصلنا في مجال التنمية السياسية، فعلى الرغم من وجود وزارة للتنمية السياسية في الحكومات الأربع الماضية، الإ أن الإصلاح السياسي الذي تنشدونه يسير بوتيرة بطيئة؟
جلالة الملك: منذ البداية ومن خلال مبادرات الأردن أولا والأجندة الوطنية و"كلنا الأردن"، سعينا من أجل أن يكون هناك توافق وطني بين كل أطياف المجتمع الأردني على مسيرة الأردن السياسية، ولكن لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من ترجمة رؤيتنا السياسية على أرض الواقع حتى الآن، لأسباب مختلفة أهمها الظروف في المنطقة، والتي أعاقت تحقيق الأهداف المرجوة من التنمية السياسية. وكلي آمل بأن تجرى الانتخابات النيابية المقبلة بمشاركة وحضور حقيقي وفاعل من قبل القوى والأحزاب السياسية. ولهذه الغاية وجهت الحكومة للتحاور مع جميع الأحزاب، للخروج بتصورات شاملة تهدف إلى تعميق الحياة الحزبية والسياسية. كما وجهت الحكومة بأن تقوم بمراجعة حزمة هامة من القوانين المرتبطة بالعمل السياسي والاجتماعي، وعلى رأسها قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الاجتماعية وقانون الاجتماعات العامة وقانون ديوان المظالم الذي يمر في مراحله الدستورية على طريق الإنجاز، بالإضافة إلى التشريعات الخاصة بتنظيم عمل النقابات وصيانة حقوق المرأة والطفل. وآمل أن نرى على أرض الواقع، الممارسة الفعلية لقانون الأحزاب خلال الفترة القادمة، الأمر الذي سيمكن المجتمع المدني تقييمه في المستقبل، واستخلاص العبر لتعميق التجربة.
الدستور: وكيف تنظرون إلى واقع الحياة الحزبية في الأردن.. وهل ما زال حزب جبهة العمل الإسلامي عنصراً أساسياً في المشهد السياسي الأردني؟
جلالة الملك: نحن نتطلع إلى تجذير الحياة الحزبية في الأردن، وهذا يتطلب جهوداً رسمية من قبل الدولة تتمثل في ما أشرت إليه من تعديلات تحسن البيئة التشريعية الناظمة للعمل السياسي والحزبي، ويتطلب أيضاً جهوداً موازية من الأحزاب ذاتها للنهوض في مستويات أدائها وبرامجها الوطنية.
وفي هذا الصدد، لابد أن تسهم الأحزاب وتشارك في الحياة السياسية والاقتصادية وتضع برامج وتصورات وطنية حقيقية تنبع من انتمائها للأردن أولا، تساعد على وضع حلول للمشاكل والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تواجهنا. وهذا يعني أنه آن الأوان للأحزاب للمشاركة الفعلية والحقيقية في مسيرة البناء والتطوير.
ونحن مصرون على أن يكون هناك دور حقيقي للأحزاب في مأسسة وتنمية العمل السياسي والمشاركة السياسية، ونجاح أي حزب يعتمد على مدى تعبير برامجه عن نبض الناس وآمالهم وتوقعاتهم، ونجاحها في تقديم حلول تساعد في تلبية احتياجاتهم في جميع المجالات. وفي هذا الإطار، أود أن أشير إلى أن ملتقى "كلنا الأردن" و"الأجندة الوطنية" خرجا بتوصيات تصب في هذا الاتجاه ومن ضمنها تفعيل دور الأحزاب، والالتزام بالثوابت الدستورية واحترام التعددية. أما بالنسبة للحركة الإسلامية فهي جزء أساسي من مشهدنا السياسي، وهي مدعوة كغيرها من بقية الأحزاب، إلى تقديم برامج عملية واقعية قابلة للتطبيق وتنسجم مع مصالحنا الوطنية الأردنية.
الدستور: يتساءل كثير من المواطنين عن الدعم الذي نتلقاه من الدول العربية الشقيقة وهل هو كاف في ضوء ما يقوم به الأردن من جهود لحماية الأمن القومي، خصوصاً وأن هذه الدول تعاني من فائض مالي بعد ارتفاع أسعار البترول؟
جلالة الملك: تربطنا بأشقائنا العرب علاقات مميزة وراسخة وبالذات مع دول الخليج العربي التي قدمت لنا مساعدات مالية ونفطية عبر السنوات الماضية ساهمت في احتواء بعض الصعوبات الاقتصادية التي تواجهنا والصمود أمامها، والتي مكنتنا من المضي قدما في تنفيذ برامجنا ومشاريعنا التنموية. وبالتوازي مع الدعم العربي حرصنا على الاستمرار في سعينا للاعتماد على الذات والتعامل مع واقعنا الاقتصادي وفق هذا المنظور، لتحقيق النهوض الاقتصادي وتوفير العيش الكريم للمواطنين.
والأردن لا يربط دوره القومي والوطني بحجم المساعدات التي يتلقاها من أي دولة، فهذا واجبنا برغم ضيق إمكاناتنا، كما أننا حرصنا على ترسيخ ثقافة الاعتماد على الذات لأننا ندرك أنها تقود إلى التنمية الحقيقية والمستدامة، ونؤمن أيضاً بأن الأدوار والمسؤوليات العربية تكاملية، وأن الاستثمار في قدرات أي بلد عربي من أي بلد شقيق آخر سيعود بالنفع على البلدين والشعبين.
ولا شك أن نهوض الأردن اقتصادياً وتنمويا، سيجعلها وجهةً للاستثمار العربي وهذا ما نطمح له. وأود في هذا الإطار أن أكرر الشكر والتقدير للمملكة العربية السعودية وأخي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، فهم لم يتخلوا عن الوقوف معنا ومساعدتنا في كل الظروف والأحوال.
الدستور: أثارت جولة الرئيس الأمريكي جورج بوش الأخيرة في المنطقة مخاوف من إمكانية تهديد الحقوق المشروعة للفلسطينيين وخصوصاً حق العودة، هل هناك تطمينات إزاء هذه المخاوف؟
جلالة الملك: بداية، أود التأكيد أننا ندعم السلطة الوطنية الفلسطينية ومواقفها، وخاصة حول قضايا الحل النهائي، التي تؤثر مباشرة على مستقبل الدولة الفلسطينية، مثل قضايا اللاجئين والقدس والمياه والحدود. ولقد بذلنا جهودا كبيرة خلال الفترة الماضية، من أجل أن نعيد القضية الفلسطينية إلى صدارة جدول أعمال المجتمع الدولي، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية. ونحن نعمل مع إخواننا وأشقائنا في فلسطين والدول العربية، من أجل حشد الدعم الدولي اللازم، لتحقيق السلام الدائم والشامل، والذي يقوم على إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الفلسطيني. ولقد حذرنا مرارا من أن ضياع الفرصة لإقامة الدولة الفلسطينية سيترتب عليه نتائج سلبية، ليس على الفلسطينيين فقط ولكن على إسرائيل وعلى المنطقة. وهنا أود التأكيد أن قبول إسرائيل في المنطقة سيبقى مرهونا بإنهاء إحتلالها للأراضي الفلسطينية وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة والتوصل إلى حل دائم وعادل وشامل لكافة جوانب الصراع العربي الإسرائيلي.
وفيما يخص حقوق اللاجئين بالذات، فإن الأردن أكد باستمرار تمسكه بقرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة ومبادرة السلام العربية. وبالنسبة للاجئين الفلسطينيين في الأردن، نؤكد مرة أخرى أن حقهم بالمواطنة لا يحرمهم من حقهم بالعودة والتعويض، وهذا موقف ثابت لنا، ونحن مصرون عليه، وقد تضمنته قرارات الشرعية الدولية وبخاصة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 وهو ليس موضع مساومة أو تنازل بأي شكل من الأشكال.
الدستور: وماذا عن استمرار سياسة الإستيطان وكيف يمكن تحقيق السلام هذا العام كما جاء في مؤتمر أنابوليس على ضوء مواصلة إسرائيل لهذه السياسة؟
جلالة الملك: لقد عبرنا عن موقفنا من الاستيطان في مناسبات عدة وبصراحة كاملة، فاستمرار الاستيطان في جميع الأراضي المحتلة بما فيها القدس عمل غير مشروع ومرفوض لأنه يهدد مستقبل الدولة الفلسطينية، وقبل ذلك يهدد عملية السلام نفسها، ونحن نؤكد هنا على الالتزام بما جاء في خارطة الطريق، والتي نصت على وقف الاستيطان في مرحلتها الأولى، ويجب أن يكون الإلتزام مدخلا لعملية السلام التي بدأت في أنابولس.
وقد حذرنا مراراً من أن مثل هذه السياسات الأحادية الجانب من قبل إسرائيل تقوض فرص السلام وتعرقل المساعي الجادة التي بدأت تأخذ زخما واهتماما كبيرا من المجتمع الدولي وكافة الأطراف المعنية بالعملية السلمية.
الدستور: تواصل إسرائيل عدوانها على غزة وتتسبب في مقتل العديد من المدنيين هل هذا سيبدد آمال تحقيق السلام في المنطقة؟
جلالة الملك: العدوان والحصار على أهلنا في غزة مرفوض تماما، وندينه ونشجبه ونستنكره، ونحن على إتصال مع أشقائنا الفلسطينيين والعرب والمجتمع الدولي لإيقاف هذا العدوان والحصار اللذين يشكلان اعتداء على كل الأعراف والمواثيق الدولية، وهذا الأمر مدان بكل الأشكال، وقد طالبنا إسرائيل بوقفه فورا، فالظروف الصعبة التي تحيق بأبناء القطاع، والحصار المفروض عليهم، يؤثر بشكل كبير وسلبي على حياة الناس الآمنين، ويتسبب في تدهور حالتهم المعيشية.
ويجب على إسرائيل أن تدرك أنه لا يمكن البدء بالمفاوضات بشكل جدي وصولا إلى السلام المنشود في ظل العدوان المستمر والإنتهاكات التي تقوم بها ضد أهلنا في غزة هاشم.
الدستور: يبذل الأردن جهوداً لوقف الإجراءات الإسرائيلية التعسفية في القدس. أين وصلت هذه الجهود؟
جلالة الملك: إننا نعتبر أن القضية الفلسطينية هي جوهر النزاع العربي الإسرائيلي بكل ما يحمل ذلك من معان، والقدس هي القضية الأهم والأبرز في هذا النزاع لما لها من مكانة وقدسية لدينا كهاشميين بشكل خاص، ولدى كل عربي ومسلم. ومسؤولية الأردن في الحفاظ على المقدسات الإسلامية هي أمانة تاريخية في اعناقنا نلتزم بها حتى تتحرر من الاحتلال. وأي مساس بهويتها العربية والإسلامية وأي محاولة لتغيير هذه الهوية مرفوضة بالكامل، ونؤكد مرة أخرى على أن السيادة على المقدسات هي مسؤولية أردنية سنحتفظ بها لحماية المسجد الأقصى وسائر الأماكن المقدسة في القدس حتى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشريف.
الدستور: عربياً جلالة الملك، قمتم بزيارة إلى سوريا مؤخراً. ما هي دوافع هذه الزيارة؟ وهل حققت الهدف المرجو منها؟
جلالة الملك: إن سوريا الشقيقة والجارة تشاركنا مصالح عديدة، ونحن ما زلنا متفائلين بمستقبل العلاقات مع سوريا لإيماننا الكبير بأن هذا البلد جزء أساسي من العالم العربي. كما أننا نتعاون من أجل أن تصب السياسة السورية في مصلحة الأمة العربية، وأن تقوم العلاقات العربية على مبدأ الاحترام المتبادل واحترام سيادة كل دولة، ونسعى أيضاً لأن يتهيأ المناخ المناسب لإطلاق عملية سلام شاملة، يكون المسار السوري جزءاً أساسيا فيها.
وكلنا أمل بأن يتم تنفيذ كافة الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في اجتماعات اللجنة العليا الأردنية السورية المشتركة، تحقيقا لفائدة ومصالح الشعبين الشقيقين. أما فيما يتعلق بدور سوريا في المنطقة، فإننا نرى أن لها دورا مهما في العالم العربي لا يمكن اغفاله، ونتطلع إلى إنهاء حالة الفتور والتوتر بينها وبين بعض الدول العربية، فنحن نريد لسوريا أن تلعب دورا فاعلا في العالم العربي ومع كل جيرانها. وما رأيناه من حالة جفاء بين الشقيقة سوريا وبعض الدول العربية لا يقبله حسنا ونهجنا القومي.
الدستور: ما يزال لبنان غارقاً في حالة من التيه السياسي مع التأجيل المستمر لجلسات مجلس النواب التي ينبغي أن تفضي لانتخاب رئيس جديد للبلاد. كما أن جهود الجامعة العربية لم تؤت ثمارها بعد. هل أنتم متفائلون بوجود مخرج للأزمة اللبنانية؟
جلالة الملك: أود بداية أن أؤكد أن استقرار لبنان وسيادته هو خط أحمر.. فلا بد من العمل على مساعدته لتخطي أزمته السياسية الراهنة، والحفاظ على سيادته وأمنه واستقراره. وفي الحقيقة فإن استمرار الوضع المتأزم في لبنان يدعو إلى التنبه وبعد النظر، فلا بد للفرقاء اللبنانيين سواء في المعارضة أو الموالاة من التوافق فيما بينهم بما يحفظ وحدة لبنان وسيادته واستقلاله، واعتقد أن مبادرة الجامعة العربية بخصوص الوضع اللبناني، تمثل فرصة ثمينة ومهمة ومنطلقا لتحقيق الوفاق الوطني، وإيجاد مخرج للمأزق السياسي الراهن، ويتوجب التمسك بها وعدم تفويتها، لتجنيب لبنان تداعيات خطيرة ستمس أمن المنطقة برمتها.
الدستور: إلى أين يسير الوضع في العراق؟ وهل ثمة مساع أردنية لدعم جهود المصالحة السياسية هناك؟
جلالة الملك: علاقتنا مع العراق الشقيق تاريخية وراسخة، والأردن يستضيف عدد كبير من الأخوة العراقيين الذين هم بين أهلهم وأشقائهم. وهم ضيوف أعزاء علينا ونكن لهم كل الاحترام والتقدير. وقدموا إلى الأردن لأسباب تتعلق بالظروف الصعبة التي يمر بها بلدهم.. حيث وفرنا لهم جميع التسهيلات التي تضمن لهم سبل الحياة الكريمة، حتى ينتهي العنف في العراق ويسترد استقراره ويحقق ازدهاره، ليتمكنوا من العودة إلى بلدهم والمساهمة في بنائه.
كما حرصنا على بناء علاقات مع الحكومة العراقية تخدم المصالح المشتركة للبلدين، وبذلنا وما زلنا نبذل جهوداً حثيثة، لمساعدة الأشقاء العراقيين على تحقيق الوفاق الوطني في العراق، وتشجيع العراقيين بمختلف مكوناتهم، على الانخراط في عملية سياسية، تمكنهم من بناء عراق قوي وموحد، وتحول دون المحاولات التي تستهدف تقسيم بلادهم والزج بها في دائرة الفوضى، وتضع حدا للاقتتال والعنف وغياب الأمن وانعدام الاستقرار.
ويهمنا أن يعود العراق قويا ومؤثرا في محيطه العربي والإقليمي. لكن لا بد هنا من التأكيد على أن العراقيين أنفسهم هم الأقدر على تحقيق مصلحة بلدهم شريطة توحيد صفوفهم والوقوف ضد الأصوات الداعية لإثارة الفتن الطائفية وتأجيج حالة العنف والاقتتال، التي لا تخدم إلا أعداء العراق ووحدته وسيادته.