مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع رئيسي تحرير صحيفتي الرأي والغد

أجرى المقابلة: 
أيمن الصفدي
For: 
صحيفة الغد
03 آب/أغسطس 2006

سؤال: 22 يوماً مضت على بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان، ثمة جهود دبلوماسية مكثفة لإنهاء الأزمة إلا أنها تصطدم بالعثرة الأميركية.. ماذا الآن؟

جلالة الملك: الآن على المجتمع الدولي أن يواجه مسؤولياته الأخلاقية والسياسية، وأن يضع حداً لهذه الحرب الهمجية التي قتلت الأبرياء ودمرت بلداً عربياً شقيقاً وأدخلت المنطقة في دوامة عنف سيدفع الجميع ثمنها غالياً، يجب أن تدرك أمريكا أن الحرب لن تجلب إلا المزيد من الويلات والعنف والتطرف، وأنه لا حل عسكري للصراع، رأينا المذبحة التي ذهب ضحيتها الأطفال والنساء في قانا.. رأينا مشاهد الدم والدمار الذي لحق بلبنان... قانا جريمة بشعة خرقت كل المواثيق والأعراف الدولية.. ولقد تجاوز حجم العدوان الإسرائيلي كل حد ويجب أن يتوقف فوراً.. ونحن لم نأل ولن نألو جهداً للتأثير على الولايات المتحدة والعمل مع أوروبا والأشقاء العرب لوقف هذه الحرب بشكل فوري.. كما أننا ننسق مع الأشقاء اللبنانيين بشكل يومي.. نحاول أن نساعد في التخفيف من معاناتهم.. فنحن لن ننـزوي بعيداً عن مسؤولياتنا تجاه أشقائنا، ولم نقف متفرجين على ما يجري.. فاتصالاتنا مستمرة لوضع حد لهذه الأزمة، وتطويق تداعياتها.. ولا بد لصوت العقل أن ينتصر أخيرا.

سؤال: هنالك حال من الغضب الشعبي على العدوان، الموقف الشعبي يحمل النظام الرسمي العربي مسؤولية ما يجري، كيف تتعاملون جلالتكم مع هذا الموقف؟

جلالة الملك: الغضب، ليس فقط على المستوى الشعبي، نحن أيضا غاضبون، عندما شاهدت جريمة قصف مطار بيروت شعرت بالصدمة والغضب، ووجهت المسؤولين فورا لبدء الاتصالات للمساعدة في إصلاحه، وأوعزت بإرسال طائرات أردنية للبنان بالرغم من تعثر الاتصالات الأولية لتحقيق ذلك.. وقلت لرئيس هيئة الأركان المشتركة:" اذهبوا إلى لبنان حتى لو كان هنالك خطر في تعرض طائرتنا للقصف". نحن نشاهد مناظر القتل والدمار في لبنان الذي نعتبره نموذجا للتقدم والديمقراطية والانفتاح في المنطقة، ونغضب جداً حين نرى الحرب الهمجية عليه.. لا يمكن لأحد أن يقبل ما يجري في لبنان، فهذه الأعمال الإجرامية، أعمال مدانة لا يمكن تبريرها بأي شكل من الأشكال، ومنذ اندلاع فتيل الأزمة كان الصوت الأردني هو الصوت الأقوى في الإدانة والتنديد بهذه الحرب، وسعينا وما زلنا نسعى في كل التحركات التي نقوم بها، والجهود التي نبذلها إلى بلورة موقف عربي موحد، لأننا نخشى من تهميش الدور العربي، ولأننا حريصون على الدم العربي وعلى المستقبل العربي، الوضع صعب جدا والمعاناة كبيرة ونحن نفعل كل ما نستطيعه، يجب أن نتحرك معا من أجل مستقبل العرب، ونحن نعمل مع الأشقاء في السعودية، وفي مصر ودول عربية أخرى لبلورة تحرك عربي فاعل ومؤثر.

سؤال: تحدثت بعض الدوائر الحزبية والسياسية والإعلامية في بعض الدول العربية، أن هناك محوراً أردنياً مصرياً سعودياً تبلور في الآونة الأخيرة "عند اندلاع الحرب"، حمّل حزب الله مسؤولية ما حدث، وراج مفهوم" انعدام المسؤولية وروح المغامرة ".. هل لدى جلالتكم تأكيد على وجود هذا المحور؟

جلالة الملك: أولاً، لا بد من التركيز على نقطة مهمة هي وقف إطلاق النار بغض النظر عن كل أسباب ما جرى، يجب أن يدرك الجميع أن أساس المشكلة هو استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية.. وأؤكد مجدداً أنه ما دام هناك احتلال فسيكون هناك مقاومة، وعودة إلى سؤالك... نحن لسنا مع سياسة المحاور، ولكن هل يعاب علينا أن نلتقي ونتشاور ونتخذ الموقف الذي يخدم أمتنا وشعوبنا، لقد أجريت اتصالات مع العديد من القادة العرب لأؤكد لهم ضرورة أن يكون موقفنا واحداً، وأن نتحدث للعالم بلغة واحدة، وقلت أكثر من مرة أن أمريكا والغرب إذا لم يجدوا من يتحدثون معه من العرب، فإنهم سيجدون حتما من يتحدثون معه نيابة عن العرب.. فهل يريد البعض أن نوكل قضايانا للآخرين لكي يتحدثوا باسمنا.. أم نطرح موقفا عربياً واحداً لنحظى باحترام العالم من حولنا؟ إن أكثر ما يقلقنا أن تخرج المسألة من الأيدي العربية فتزداد الأمور تعقيداً واتساعاً.. بحيث لا نجني بعدها سوى تصدعاً وشقاً واسعاً في الجسم العربي.. أتفهم وسط هذا الغضب، أن يضعف منطق الاعتدال، خصوصاً أن المواقف المعتدلة التي صبغت السياسة العربية لم تؤت الثمار المطلوبة، لأسباب خارجة عن إرادتنا. لكن في النهاية لا نستطيع أن نستسلم لليأس، وسنظل نعمل على إحقاق الحق العربي بكل ما أوتينا من قدرات.

سؤال: برأي جلالتكم، ما هي الخطوات التي يجب اتباعها لحل الأزمة، وإذا كان هنالك أولويات، فما هي هذه الأولويات؟

جلالة الملك: الأولوية الآن هي لوقف إطلاق النار.. لوقف القتل، لوقف التدمير، لإنقاذ الأبرياء.. وبعد ذلك يمكن التحدث في القضايا المطروحة، لا بد أولا من احتواء الأزمة والعمل على إطلاق تحرك سياسي يعالج الأزمة من جذورها.

سؤال: أجريتم جلالتكم اتصالات عربية ودولية مكثفة للبحث عن مخرج لهذه الأزمة، إلى أين وصلت هذه الاتصالات؟

جلالة الملك: لقد أجريت اتصالات مع رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا والأمين العام للأمم المتحدة، تحدثت إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش وقلت له "ما ذنب الأبرياء؟ ولماذا يضرب المطار والبنية التحتية في لبنان؟" وأخبرت بوش وكذلك الرئيس الفرنسي شيراك أن حماية لبنان هي مسؤوليتكم، وللأسف فإن ما لمسناه من هذه الاتصالات في البداية لم يكن مشجعا بالنسبة للضغط على إسرائيل لوقف العدوان، وكانوا يطالبون بحل ضمن حزمة سياسية تشمل ضمان أمن إسرائيل وإبعاد حزب الله عن الحدود مع إسرائيل، ولكن أعتقد أن الصورة الآن أصبحت مختلفة.. فالأصوات التي تطالب بوقف إطلاق النار أصبحت اليوم الأكثر بروزا من ذي قبل.

سؤال: هنالك رأي يقول إن الحرب على لبنان هي حرب أمريكية - إيرانية، هل تتفقون جلالتكم مع هذا الرأي؟

جلالة الملك: بغض النظر عن التقاطعات والتحالفات الإقليمية، فإن الأهم هو كيف نوقف هذه الحرب ونحمي لبنان.. واللبنانيون هم الأقدر على تقييم وضعهم وحسم خلافاتهم وتحديد علاقاتهم مع جيرانهم ومع القوى الإقليمية الأخرى، لكن المطلوب عربياً هو أن يكون لدينا خطة استراتيجية عربية موحدة في مواجهة التحديات سواء في فلسطين أو العراق أو لبنان.. ونحن نقف بكل ثقلنا مع الحكومة اللبنانية في سعيها لإعادة الأمن إلى لبنان وبناء الدولة المستقرة التي تملك قرارها.

سؤال: كشفت الحرب الدائرة الآن والتي لم تتوقف بعد أن حملت من المواقف السياسية والدبلوماسية وبعض التحالفات والمعادلات الإقليمية ما يدفعنا إلى التخوف بما يمكن أن يحدث من صفقات في المستقبل وبخاصة في شأن مستقبل الملف النووي الإيراني وبعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 1696؟ أين نحن، الأردن والعرب من هذا المشهد؟

جلالة الملك: إن تهميش الدور العربي وترك القرار العربي نهبا لقوى دولية وإقليمية سيرتب عليه تحالفات لن تكون إطلاقا لصالح العرب، إن جهودنا وطاقاتنا يجب أن تكرس لتوحيد الموقف العربي إزاء الأخطار التي تهدد المنطقة، إن غياب موقف عربي موحد إزاء هذه التحديات سيكون خيانة لشعوبنا وسنندم جميعا على حالة الضياع والتشرذم والانقسامات التي ستعصف بالمنطقة.. إن أعداء أمتنا العربية سيشعلون الفتنة والحروب على أرضنا لإبقائنا ضعفاء يسهل السيطرة على قرارنا ومقدراتنا. اعتقد أن الحساسيات بين الدول العربية انتهت، هنالك إدراك أنه إذا لم نتحدث بصوت واحد فإننا سندفع الثمن، اعتقد أن صفحة جديدة في التعاون العربي بدأت.. يجمعنا الخوف على المستقبل.

سؤال: تمثلون جلالتكم موقف الاعتدال في العالم العربي. هل أضعفت الحرب الحالية موقفكم في ضوء حال الاحتقان السياسي في الأردن والمنطقة؟

جلالة الملك: للأسف إن السياسة الإسرائيلية ومنذ اندلاع الانتفاضة الثانية في فلسطين، ساهمت في ازدياد موجة التشدد والتطرف في العالم العربي على حساب صوت الاعتدال، وجاءت هذه الحرب لتضعف أصوات الاعتدال.. لقد كان يمكن منذ البداية أن نفسح المجال للحلول الدبلوماسية بدل هذا الدمار والكوارث التي حلت بلبنان الشقيق.. لكن ذلك لم يحدث.. وها نحن الآن نواجه حرباً جديدة.. قتل في لبنان وقتل في فلسطين.. ويأس في المنطقة برمتها، الناس تريد فعلاً، تريد أن ترى وقفا لسلب الحقوق ونهاية للاحتلال. نعم أضعفت الحرب أصوات الاعتدال في المنطقة، وعلى من يريد أن يطفو صوت العقل في المنطقة أن يعالج أسباب الأزمات.. لا بد للاعتدال أن يحقق إنجازاً ملموساً حتى يؤمن به الناس، عكس ذلك، لن يجد الناس خياراً إلا برفض أصوات الاعتدال وبتبني وسائل أخرى للدفاع عن حقوقهم. فإما سلام يعيد الحقوق ويرفع الظلم ويعطي الأمل، وإما دخول في دوامة من العنف والعداء، التي ستدفع إسرائيل وستدفع أمريكا وسيدفع العرب ثمنها مستقبلا.

سؤال: ثمة أصوات في الأردن تنادي بسحب السفير الأردني في تل أبيب وطرد السفير الإسرائيلي في عمان احتجاجاً على الحرب، هل تدرسون جلالتكم هذا الخيار وهل تعتقدون بجدواه؟

جلالة الملك: لنتذكر جميعا أننا دخلنا عملية السلام وفق إجماع عربي على اعتماد التفاوض سبيلاً لاستعادة الحقوق العربية. ولنتذكر جميعا أننا وقعنا الاتفاقية بعد أن وصل الأشقاء الفلسطينيون إلى اتفاق مع إسرائيل.. دخلنا العملية السلمية لنحمي الأردن ومصالحه، ولنستعيد الحق الفلسطيني ولنعمل على بناء منطقة آمنة تنعم شعوبها بالأمن والاستقرار، وقعنا معاهدة السلام لخدمة مصالح الأردن ولخدمة مصالح الشعب الفلسطيني الشقيق.. ولنتذكر المرات الكثيرة التي استطاع الأردن أن يوظف علاقاته مع إسرائيل ومع أمريكا لنصرة الشعب الفلسطيني، وتأكد - يا أخي - أننا سنفعل كل ما يجب فعله، لحماية الأردن وحماية فلسطين وحماية اللبنانيين ولخدمة أمتنا العربية، الأردن رئة فلسطين مثلما هو اليوم رئة لبنان، لسنا في وارد الشعارات والمزايدات، نحن نعمل كل ما نستطيع، لولا معاهدة السلام مع إسرائيل ما تمكنا من مساعدة الفلسطينيين، من يقدر دور الأردن هم أشقاؤنا الفلسطينيون.. وكلما تعثرت الأمور في فلسطين كان المرحوم أبو عمار والآن أبو مازن يناشدوننا للتدخل لإنقاذ الموقف.. ونحن نقوم بذات الدور الآن لإسناد الأشقاء في لبنان.

سؤال: هل يعني ذلك جلالتكم أن خيار سحب السفير وارد؟

جلالة الملك: ذلك يعني أننا سنفعل كل ما هو في مصلحة وطننا وفي خدمة أشقائنا في فلسطين ولبنان.

سؤال: جلالة الملك هل ترى ضرراً مباشراً لما يجري في لبنان على الأردن؟

جلالة الملك: لا ضرر مباشر الآن.. لكننا كنا حذرنا منذ أشهر من أن الأوضاع في المنطقة غير مقبولة، لا بد من حلول جذرية لأسباب التوتر في المنطقة، يجب أن نخشى على العراق، إذا لم ينجح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي فسندفع جميعا ثمنا كبيرا، كذلك بالنسبة للوضع في لبنان، لا بد من وقف العدوان على لبنان.. يريدون تدمير حزب الله بالدبابات الإسرائيلية وسلاح الجو الإسرائيلي، السلام يكون بإعادة الأراضي المحتلة وإقامة دولة فلسطينية... هذا هو الحل الوحيد. طيب إذا دمرتم حزب الله.. وبعد سنة.. سنتين، لا يتم إيجاد حل بالنسبة للقضية الفلسطينية أو لبنان أو سورية.. سيبرز حزب الله جديد في بلد آخر، ربما في الأردن أو سوريا أو مصر أو العراق.. على إسرائيل أن تدرك ذلك، لا حل في الجنوب اللبناني من دون اتفاق مع الحكومة اللبنانية، ولا حل في فلسطين من دون إعادة الحقوق الفلسطينية. نحن نرفض خطط رئيس الوزراء الإسرائيلي الهادفة إلى اتخاذ إجراءات أحادية، ونعتقد أن أمريكا تدرك ذلك الآن أيضاً.. ويجب أن يدرك الإسرائيليون ذلك أيضاً.

سؤال: بدا واضحاً جلالة الملك أن عملية السلام التي انطلقت من مدريد أخفقت، الجامعة العربية نعتها، والشعوب العربية فقدت الإيمان بها، هل تعتقدون جلالتكم بضرورة إعادة تقويم العملية السلمية والبحث عن رؤية إستراتيجية جديدة للتعامل مع إسرائيل؟

جلالة الملك: من المؤكد أن تجربة السنوات الماضية من المفاوضات لم تحقق أهدافها بشكل كامل وكاف، وإن الحاجة تدعو إلى إعادة تقييم عملية السلام وبنائها على أسس تحترم قرارات الشرعية الدولية، يجب أن يدرك العالم أن القضية الفلسطينية هي الأساس في كل ما يجري، وهي جوهر الصراع، وأن عدم إيجاد حل عادل يضمن عودة الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، سيكون ثمنه فادحاً، ولن تهدأ المنطقة إطلاقاً. اليوم يسعون إلى تجريد حزب الله من سلاحه.. فهل ستحل المشكلة؟ المشكلة هي أن يعترف العالم بأن للشعب الفلسطيني أرضاً محتلة يجب استعادتها، وأن له آمال وتطلعات مشروعة في قيام دولة فلسطينية مستقلة.. وعلى العالم أن يعمل من أجل ضمان قيامها. الحرب لن تحل شيئا.. الشعوب العربية ترى في حزب الله الآن بطلاً لأنه يواجه العدوان ويدافع عن أرضه.. وستدعم الشعوب العربية كل جهد وكل موقف يعيد حقوقها.. تلك حقيقة على أمريكا وإسرائيل أن تفهماها.. طالما هنالك عدوان واحتلال.. سيكون هنالك مقاومة وسيكون هنالك امتداد شعبي ودعم للمقاومة، الحرب لن تحقق شيئا.. نهاية الصراع هي في إحقاق الحقوق، في رفع الظلم، في إقناع الناس بأن هنالك عملية سلمية ستنهي الاحتلال، وستوفر بداية لحياة آمنة كريمة.

سؤال: كثيرون في المنطقة وخارجها يتحدثون عن محور تطرف مركزه إيران وسورية، كيف يمكن جلالتكم لأصوات الاعتدال أن تواجه هذا المحور؟ هل هنالك حاجة لمحور اعتدال ومن هي الدول المرشحة برأيكم لتكوين هذا المحور؟

جلالة الملك: نحن نطالب بموقف عربي واضح لمواجهة كل التحديات.. عندما ابتعد العرب عن العراق، ولم يلتفتوا إلى ما يجري داخل هذا البلد العربي، كانت النتائج كما نراها اليوم، حيث التدخلات في شؤونه من كل جانب.. ونحن لا نريد لأي بلد عربي آخر أن يكون عرضة للتدخل من أي جهة كانت، وهذا يتأتى من خلال سياسة التنسيق وتوحيد المواقف بين الأقطار العربية.

سؤال: كيف ترون جلالتكم تأثير الحرب على لبنان والاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين على الرأي العام العربي، هل أسقطت هذه الأوضاع طروحات الاعتدال وهيأت البيئة لانتشار التطرف بشكل اكبر؟

جلالة الملك: بالتأكيد أن تأثير الحرب على لبنان كان كارثيا بكل معنى الكلمة، وإن تواصل الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وفلسطين سيعزز الشعور باليأس والإحباط الذي يوفر البيئة الخصبة لانتشار التطرف، ولكن يجب أن نتحدث بصوت عال لرفض وإدانة الحرب والتأكيد على أن الحل هو بالاعتراف بالحقوق المشروعة وحق الشعوب بالأمن والاستقرار والسلام، يجب أن تصمت المدافع حتى تجد أصوات الاعتدال من يسمعها.. لا يمكن أن ينام الناس ويفيقون على صور القتلى.. على صور أطفال قانا.. على مشاهد الدمار في لبنان وفي غزة، ونقول نريد اعتدال.. الاعتدال يحتاج إنجازاً.. وآن للشعوب العربية أن ترى إنجازاً.. وآن لأمريكا وأوروبا والعالم كله أن يدرك ذلك.

سؤال: كان الأردن أول دولة كسرت الحصار الجوي على لبنان وأقامت جسراً جوياً بين عمان وبيروت، وما يزال الجسر الجوي مستمراً، إضافة إلى استجابة جلالتكم لمطلب رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة باعتبار عمان "بوابة" للمساعدات الدولية والعربية.. هل يمكن لجلالتكم أن تعطينا صورة عما تم إنجازه حتى الآن؟

جلالة الملك: منذ اندلاع الأزمة، أجريت عدة اتصالات مع رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة، واليوم أوفدت وزير الخارجية إلى لبنان، لأؤكد تضامننا معهم ودعمنا لهم سياسياً وإنسانياً. وكانت فحوى جهودنا واتصالاتنا هي البحث عن سبل تقديم دعم ملموس ومباشر للشعب اللبناني لتمكينه من تخطي الأزمة المأساوية التي يواجهها... وقد بذلنا كل جهد ممكن لمساعدة الأشقاء اللبنانيين، وكان الأردن أول دولة عربية تبادر إلى إرسال مساعدات من خلال الشاحنات التي مرت عبر الأراضي السورية.. ثم كان الاختراق الذي حققناه وبعد اتصالات دولية عدة، حيث تمكنت الأربعاء الماضي أول طائرة أردنية تحمل المساعدات إلى الشعب اللبناني من الهبوط في مطار بيروت، وقد وصل عدد الطائرات لغاية الآن إلى (9) طائرات حملت مئات الأطنان من المواد الغذائية والمساعدات الطبية، كما ساعدنا في وصول طائرات مساعدات من السعودية والإمارات ودول أخرى، وهناك الآن مستشفى ميداني أردني تعامل حتى الآن مع أكثر من (2500) حالة لمواطنين لبنانيين من الذين يحتاجون إلى العلاج والرعاية الطبية نتيجة القصف الإسرائيلي. هل يكفي هذا؟ لا، لكننا نفعل كل ما نستطيعه، وسنظل نفعل كل ما نستطيعه.

سؤال: هل سيشارك الأردن في قوات دولية لحفظ السلام في لبنان إذا ما قرر المجتمع الدولي تشكيلها؟

جلالة الملك: نحن سندعم الحكومة اللبنانية بكل ما تريد، والأردن لن يشارك في هذه القوة، ونحن نؤكد أن أي خطوة مستقبلية يجب أن تحظى بموافقة الحكومة اللبنانية.

سؤال: ماذا تقولون للإدارة الأمريكية حول الأزمة، وهل يستمع الأمريكيون لجلالتكم؟

جلالة الملك: نقول لأمريكا أن عليها مسؤولية كبيرة في حل أزمات الشرق الأوسط.. إن الشعوب العربية تدرك انحياز أمريكا لإسرائيل، وأن الشرق الأوسط لن ينعم بالأمن، إذا لم ينعم الفلسطينيون بالاستقرار، وإذا لم يستعيدوا حقوقهم ويبنوا دولتهم، نقول أن معالجة جذور الصراع هي السبيل الوحيد لحله.. نقول أن الحرب على لبنان يجب أن تتوقف فوراً، وأن الحاجة تدعو إذا أرادت أمريكا أن تحظى سياستها باحترام وتقدير في العالم العربي أن تسرع في إيجاد حل عادل للصراع العربي الإسرائيلي.

سؤال: هل أجريتم جلالتكم اتصالات مع الحكومة الإسرائيلية بعد الحرب على لبنان؟ وما هو فحوى حديثكم لهم؟

جلالة الملك: أنا لم أجر أي اتصالات، لكن الحكومة الإسرائيلية تعرف تماما موقفنا في رفض وإدانة لعدوانها على لبنان وعلى الفلسطينيين.

سؤال: لماذا لم تنعقد قمة عربية بعد الحرب على لبنان؟ الناس يرون في ذلك انقساماً للنظام العربي الرسمي.

جلالة الملك: كان موقفنا أنه إذا حصل توافق على عقد هذه القمة، فإننا سنشارك بها، لكن الدعوة إلى القمة لم تلق القبول.. نحن لم نتخلف عن قمة عربية.. ونتمنى أن تنعقد القمة لكن بعد أن يتم دراستها بعناية حتى لا تفشل ونزيد من إحباط ويأس الشعوب العربية.

سؤال: هل تتوقعون جلالتكم أن يرى مشروع الشرق الأوسط الجديد "النور" حيث قالت رئيسة الدبلوماسية الأمريكية كوندليزا رايس أنه في "مخاض الآن"؟

جلالة الملك: أي مشروع لا يستند إلى تطلعات الشعوب وحقها في تقرير مصيرها، ويلبي آمالها في الأمن والرخاء لن يرى طريقه إلى النور.. إذا أردنا شرق أوسط آمنا ومستقرا، علينا أن نعطي الفلسطينيين حقهم ودولتهم، وأن يعم الأمن في العراق ولبنان.. وتطبق قرارات الشرعية الدولية.

سؤال: هل تخشون جلالتكم من انعكاسات الأوضاع على المنطقة في انقسامات جدية؟ رأينا أثر الأوضاع في العراق على العلاقة بين السنة والشيعة.. هل ستتفاقم هذه الانقسامات في ضوء التوتر بين إيران ودول عربية؟

جلالة الملك: القضية ليست دينية، والموضوع ليس بين سنة وشيعة، هنالك خلافات بين دول عربية وإيران، ولنتذكر أن رسالة عمان انطلقت من الأردن لتثّبت وحدة المذاهب الإسلامية، وتبنى مؤتمر القمة الإسلامية في مكة هذا الموقف بدعم ومبادرة من الأردن.. نحن حريصون على أشقائنا الشيعة حرصنا على أنفسنا، وعلى وحدة الصف الإسلامي. ومجرم كل من يحاول زرع الفتنة بين السنة والشيعة.. ويجب أن نتصدى له جميعا.. أنا سليل آل البيت ووحدة الصف الإسلامي رسالة نحملها وندافع عنها.