مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحيفة الصباح الجديد العراقية

أجرى المقابلة: 
إسماعيل الزاير
For: 
صحيفة الصباح الجديد العراقية
22 نيسان/أبريل 2006

مقدمة المقابلة بقلم الأستاذ إسماعيل الزاير، رئيس تحرير صحيفة الصباح الجديد العراقية:

"سجلت المبادرة الملكية لعقد مؤتمر للوفاق والاتفاق العراقي الإسلامي نقاطاً ايجابية ملموسة حتى قبل انعقاد المؤتمر الذي جرى تأجيله إلى وقت مناسب بعد طلب مباشر من القيادة السياسية العراقية على لسان رئيس الجمهورية العراقية الأستاذ جلال الطالباني، وبوسع المراقب السياسي أن يلمس أن الدور الأردني لدعم العراق وتقديم المساعدة إلى قياداته المختلفة من دون تمييز كان احد أهم مزايا السياسة الأردنية تجاه العراق، فقد استقبل جلالة الملك عبد الله الثاني ملك المملكة الأردنية الهاشمية جميع القيادات العراقية وحرصت المملكة على الوقوف على مسافة متوازنة ومتساوية من جميع الفرقاء العراقيين وشجعت جميع المساعي لتطوير وتنمية التبادل السياسي والإنساني والاقتصادي مع العراق على رغم أن المملكة لم تكن على الدوام الرابح الأكبر من هذه القطاعات.

ومع تزايد العنف والمخاطر الأمنية التي يواجهها المواطن العراقي يظل الباب الأردني مشرعاً مع ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر أمنية على الأردن حيث يستهدف الإرهاب المؤسسات الأردنية ويضرب الإرهاب ضرباته مستغلاً تلك البوابة المشرعة .. الآن وفي هذه اللحظة يمر عبر البوابات الحدودية ما بين خمسة إلى سبعة آلاف عراقي كل يوم نصفهم على الأقل يبقى في الأراضي الأردنية في انتظار الفرج والتحسن الأمني .. هذا بحد ذاته يلقي عبئاً ثقيلاً على المؤسسة الأمنية الأردنية.

المواقف الأردنية من العراق ودعم أمنه ومؤسساته الإدارية والمختصة واضحة ومشهودة، ولكن الوضع الصعب والمعقد الذي تمر به بلادنا الحبيبة تجعل من الوصول إلى الكمال والرضا التام قضية غير واقعية، لذا فقد نقلنا إلى جلالة الملك عبد الله الثاني النواقص التي تحصل أثناء الممارسة اليومية للمؤسسات الأردنية .. جلالة الملك كان واضحاً وحاسماً في اعتباره واحترامه المواطن العراقي وتقديره للمعاناة التي يمر بها مؤكداً على ثوابت الخلق الهاشمي الكريم في مد يد العون والدعم والتقدير للعراقيين جميعاً.

في لقائنا مع جلالة الملك صراحة يحتاجها كل مواطن عربي ومسلم .. فالدقة والوضوح والتواضع لا يخفى على أي عين منصفة.. ومع الوضع الاقتصادي الأردني الصعب نجد أن الأردن يستجيب للحاجات الملحة للعراقيين الذين يصل عددهم إلى حوالي المليون مواطن بما في ذلك من أعباء مركبة على المملكة.

بقي أن نلحظ عندما ننظر إلى ميزان التبادل التجاري مع الأردن مقارنة بدول الجوار أن ثمة تدنٍ مستمر في معدلات التبادل التجاري والاقتصادي مع المملكة الأردنية الهاشمية .. ومع أننا ندرك انعكاسات الوضع الأمني المتردي في العراق على ذلك الميزان إلا أننا نعتقد أن ثمة حاجة إلى مناقشة هذا الخلل من قبل حكومتنا الجديدة بما يسمح بتعديل ذلك الميزان وتعزيز وتائره بما يتناسب والعلاقات مع الأردن وشعبها وقيادتها.

في الحوار الشامل الذي شرفنا به جلالة الملك عبد الله الثاني أكثر من رسالة إلى أبناء الشعب العراقي الكريم والى أبناء الشعب الأردني الشقيق .. فإلى رسالة الدعم والحب للعراق والتزام قضاياه هنالك حرص عميق على الاستقرار الإقليمي والإيمان بالحوار والتعاون والتشاور كوسائل لدعم العلاقات والارتقاء بالتنمية والتطور الاقتصاديين من اجل رفعة وازدهار الأمتين العربية والإسلامية".

الصباح الجديد: جلالة الملك، يحتاج العراقيون إلى كل كلمة طيبة وفعل طيب يصدر من إخوانهم في الأمتين العربية والإسلامية، وقد عبرتم على الدوام عن تفاؤل واضح تجاه مستقبل العلاقات الأردنية - العراقية، ومسار الأحداث... هل لا زلتم ـ وأنتم المراقب الدقيق ـ على ذلك التفاؤل والأمل رغم كل ما يحصل من عنف وإرهاب وتدهور أمني.. أم أننا بلغنا نقطة اللاعودة؟

جلالة الملك: حين توجه ثمانية ملايين عراقي للمشاركة في الانتخابات، كانوا ينطلقون من إيمانهم وقناعتهم بالعملية السياسية، ورفضهم للعنف والإرهاب، وحرصهم على بناء عراق حر ومستقل وديمقراطي، بعيدا عن أي تدخل خارجي، من هذا المنطلق ومن إيماننا بوعي الشعب العراقي وإدراكه أن لا مستقبل للعراق إلا بدحر العنف، فإننا متفائلون، لأننا على قناعة تامة أن غالبية العراقيين، ترفض الإرهاب، وتنبذ كذلك دعوات الفتنة والانقسام والتفرقة، التي حاول البعض زرعها بين أبناء الشعب الواحد، لكن ورغم كل محاولاتهم اليائسة، فقد أبدى العراقيون مسؤولية كبيرة ولم يلتفتوا إلى دعاة الفتنة والانقسام. أنا لا اعتقد أننا بلغنا نقطة اللاعودة في العراق، ما دام أن أغلبية العراقيين تريد السلام وتؤمن بالعراق قوياً وموحداً.. ونقول لأشقائنا العراقيين أنكم لستم وحدكم، فإن إخوانكم العرب والمسلمين وأصدقاءكم في العالم، يقفون إلى جانبكم ويدعمون رؤيتكم لبناء عراق موحد ومستقر وآمن.

الصباح الجديد: بعد عام ونيف على إعلان "رسالة عمان" التي أريد منها تكريس مبادرة السلام والاعتدال والوسطية.. وها نحن الآن على أعتاب مبادرة جديدة يقوم بها جلالتكم.. هل أتت المبادرات أكلها؟ وما هي سبل تنشيط فعاليتها السياسية والوطنية والاجتماعية؟

جلالة الملك: لقد شكلت رسالة عمان انطلاقة نحو ترسيخ وتعزيز قيم التسامح والوسطية والاعتدال، وأبرزت صورة الإسلام الحقيقية وتعامله مع بقية الأديان السماوية.. وكان دافعنا في إطلاقها، هو لأننا شعرنا بأن رسالة الإسلام السمحة، تتعرض في هذه المرحلة لهجمة شرسة وظالمة، سواء من البعض في الغرب الذين لا يفهمون جوهر الإسلام، أو ممن يدّعون الانتساب إلى الإسلام ويتسترون خلفه للقيام بأفعال غير مسؤولة، لقد دعا الإسلام إلى معاملة الآخرين بالمثل، وحث على التسامح والعفو واحترام المواثيق والعهود، وحرّم الغدر والخيانة، كما أن الإسلام أعطى للحياة منزلتها السامية.. ودعا إلى عدم الاعتداء على المدنيين المسالمين، ورسالة عمان كانت أساسية لمواجهة الادعاءات الزائفة للمتطرفين، وهي خطوة نحو إعطاء الإسلام المعتدل الصوت والأهمية البارزة اللذين يستحقهما على صعيد العالم، وفي تموز 2005 بنينا على ما جاء في رسالة عمان من خلال عقد المؤتمر الإسلامي الدولي الذي كان خطوة باتجاه التأكيد على الجوامع والقواسم المشتركة بين جميع المسلمين والتوجه للآخرين بخطاب متوازن متقدم، والذي حضره (180) عالماً مسلماً يمثلون 45 بلداً. وأصدروا بيانا وقع عليه جميع المشاركين، ومن أبرزهم المرجعيات الدينية الشيعية والسنية العراقية، والذي استند إلى عشرين فتوى كان قد أصدرها عشرون من العلماء المسلمين البارزين في العالم، كما حظي بتوافق إجماعي يدين ممارسات التكفير التي يلجأ إليها المتطرفون لتبرير العنف، وأقرَّ بشرعية جميع المذاهب الإسلامية الثمانية المعروفة، السنّية منها والشيعية والإباضية، وبيّن المبادئ والمعتقدات المشتركة بينها، كما بين الشروط والمؤهلات التي يجب توافرها فيمن يتصدّى للفتوى، نازعاً بذلك غطاء الشرعية عن تلك" الفتاوى" المزعومة التي تبرّر الإرهاب باعتبارها خارجة عن قواعد الشريعة الإسلامية، وتمثل انتهاكاً لما استقر من مبادىء الإسلام الأساسية وثوابته، ونحن على قناعة تامة بأن مثل هذه المبادرات ستسهم قطعا في التأسيس لمرحلة جديدة، تضع حداً للممارسات الإرهابية، وتقضي على الفكر الإرهابي المتطرف، الذي طال شره الجميع في المنطقة والعالم.

الصباح الجديد: يرتبط العراق بعلاقات تاريخية متشعبة وعميقة مع المملكة وشعبها وقيادته.. هل أنتم راضون من هذا المنطلق، عن الدور العربي والإسلامي لمساعدة العراق للخروج من أزمته؟ أم لا يزال القلق من انزلاق العراق نحو سيناريوهات الحرب الأهلية والطائفية ـ لا سمح الله ـ ماثلا ويتسبب بالقلق لكم؟

جلالة الملك: العلاقات التي تربطنا بالعراق هي علاقات تاريخية، وصلات المودة والقربى والعائلات التي لها جذور في العراق أو العكس، كلها عوامل تعزز متانة العلاقات الأردنية العراقية، ونحن نعمل على الدوام على تقوية هذه العلاقات وتوثيقها على النحو الذي يخدم تطلعات الشعبين الشقيقين نحو المزيد من التعاون.. الحقيقة أننا لسنا راضون عن مستوى المساهمة العربية والإسلامية في العراق، ونطمح إلى أن تكون إسهامات العرب في العراق، أقوى مما هي عليه اليوم.. فمن غير المنطقي أن لا يكون لغاية الآن، للدول العربية سفراء في العراق، ولذلك فقد وجهت الحكومة العام الماضي لتعيين سفير للأردن في بغداد، وحصل ذلك، لكن وبسبب تفجير مبنى سفارتنا هناك، واختطاف أحد موظفي السفارة، فقد تأخر إرسال السفير إلى العاصمة العراقية.. ولقد دعونا في أكثر من مناسبة إخواننا العرب والمسلمين إلى المساهمة الفعلية في مساعدة العراق على الخروج من محنته الحالية التي يمر بها وبناء العراق الجديد، ونأمل أن تواصل الجامعة العربية دورها في العراق ومساعيها الرامية إلى توحيد الصف العراقي ووحدة شعبه وتماسكه، بما يفوت أية محاولات لإثارة الفتنة والانقسام بين أبناء الشعب الواحد.

الصباح الجديد: كيف تقيمّون محصلة المساعي لتأمين المناطق الحدودية بين العراق والأردن، لمنع تسرب الإرهاب من وإلى العراق؟

جلالة الملك: كما تعلم فإن الحدود التي تربطنا مع العراق هي حدود طويلة، والأردن من جانبه يسيطر على حدوده، لضمان عدم قيام أية مجموعات أو أشخاص بعبور هذه المناطق للقيام بأعمال تمس أمن واستقرار العراق، ودون أن يؤثر ذلك على ما نقدمه من خدمات وتسهيلات للأشقاء العراقيين، ومن أجل ضمان راحة المسافرين من وإلى العراق وتقديم أفضل التسهيلات، وكذلك ضمان عدم تسلل الإرهابيين إلى الأردن، تعكف الحكومة حالياً على بناء مركز حدودي عصري ومتكامل بكلفة تقدر بحوالي "60" مليون دينار أردني.

فيما يتعلق بمسألة الإرهاب، أود التأكيد مرة أخرى أن الحدود الأردنية مع العراق اتسمت دائما بالهدوء، ولم يسجل أن عناصر مقاتلة دخلت إلى العراق عن طريق الأردن، فالأردن وعلى مدى تاريخه الطويل، لم يكن في أي يوم من الأيام، مصدرا للإرهاب أو حاضنا له، بل إننا كنا هدفا للإرهابيين وضحايا لجرائمهم، التي طالت الأبرياء، لكنها لم تثننا عن عزمنا في مواصلة محاربتهم والتصدي للفكر التكفيري الظلامي الذي يسيء للمسلمين كافة.

الصباح الجديد: ظاهرة الإرهاب التكفيري، هل هي بنت المناخ السياسي السائد ونتيجة له أم ترون أنها ظاهرة عابرة في التاريخ الإسلامي والعربي يمكن مقاومتها ودحرها؟ وإذا كان الأمر كذلك فكيف ترون جلالتكم وسائل إفشال وهزيمة التكفيريين والإرهابيين؟

جلالة الملك: أنا أرى أن الفكر التكفيري طارىء على حياتنا وتاريخنا، وإن سجل في تاريخ المسلمين حالات خرجت فيها بعض الجماعات عن إجماع الأمة، إلا أن فكرها اندحر أمام الإسلام الصحيح وأمام إجماع المسلمين على رفض أفكار هذه الجماعات، وفي هذه الأجواء السياسية المضطربة التي تشهدها المنطقة، وتزايد حدة النزاعات والصراعات، وتعمق حالة اليأس والإحباط، نتيجة عدم إيجاد حلول سياسية عادلة، وجد الفكر التكفيري ما يغذي أهدافه البعيدة كل البعد عن قيم الإسلام الحقيقية، ومن هنا تأتي أهمية الدور الذي نقوم به لتوضيح صورة الإسلام الحقيقية، وترسيخ وتعزيز مبادىء الوسطية والاعتدال، وكشف ادعاءات الإرهابيين وزيف فتاويهم الباطلة، وكلما نجحنا في نشر ثقافة التسامح والاعتدال وقبول الأخر، تمكنّا من عزل ودحر مثل هذه الظواهر الشاذة والخطيرة.

الصباح الجديد: هدفتم من مبادرة "الوفاق والاتفاق العراقي الإسلامي" الذي تأجل بناء على طلب عراقي، إلى إنهاء العنف وتعزيز وحدة العراق واستقراره، هل يتوقف الأمر على اتفاق الإسلاميين من مختلف الطوائف على عناصر ذلك الوفاق والاتفاق، أم أنها حلقة بين حلقات أخرى أوسع عراقياً وإقليمياً وإسلامياً؟

جلالة الملك: إن هدفنا من عقد هذا المؤتمر هو التوصل إلى إيجاد توافق ديني، على أرضية دينية وفكرية صلبة ومشتركة، يعمق وحدة الشعب العراقي، ويسهم في الوصول إلى توافق وحل سياسي، يؤدي في النهاية إلى تخليص العراق من حالة العنف والاقتتال، وتعزيز وحدته واستقراره، وتوجيه طاقات العراقيين لبناء العراق الجديد، الذي ينعم شعبه بالأمن والحياة الأفضل. لقد اتصل بي فخامة الرئيس جلال طالباني، وطلب مني تأجيل المؤتمر، حتى يتسنى حضور أكبر عدد من القيادات الدينية العراقية، خاصة في ضوء انشغالها بالمشاورات الجارية لتشكيل الحكومة العراقية.. أنا آمل أن تسفر هذه اللقاءات والمشاورات عن فرص إيجابية للتوافق، إن حماسنا لدعوة القيادات الدينية للالتقاء في عمان، لأننا نرى أنه دون الوصول إلى توافق ديني أولا، لا يمكن إيجاد حل سياسي لحالة العنف والاقتتال التي باتت تؤرقنا كما تؤرق جميع أبناء الشعب العراقي، إن من مصلحتنا جميعا في المنطقة، أن يعم الأمن والاستقرار في العراق، ويعود إلى لعب دوره الفاعل والحيوي على الساحتين الإقليمية والدولية.

الصباح الجديد: ثمة شعور قوي لدى العراقيين بأن إخوانهم العرب والمسلمين تخلوا عنهم.. أو أنهم ربما لم يفهموا المشكلات العضوية للعراق، بحيث يكون بوسعهم مساعدتهم والاستماع إليهم قبل التنسيق من أجل تجاوز المحنة، وهنالك مخاوف من نزعة الانعزال العراقي عن المحيط العربي - الإسلامي تعود في أحيان كثيرة إلى مناخ الشك وسوء الفهم. أي رسالة توجهون للعراقيين لتطمينهم ودفعهم إلى التخلي عن تلك المخاوف وتعزيز الرابطة العربية - الإسلامية وسيلة للخروج من المحنة؟

جلالة الملك: رسالتي للعراقيين أننا معكم ونقف إلى جانبكم.. نجاحكم هو نجاحنا.. والفشل لا قدر الله سيؤذي الجميع، العراق هو صمام الأمان بالنسبة للعرب والمنطقة، لن يكون هناك أمن واستقرار ما دام الجرح العراقي ينزف، ونود أن نطمئن العراقيين أن إخوانكم الأردنيين والعرب يتألمون للدماء العراقية التي تنزف، ويتألمون وهم يشاهدون ما يجري في العراق الذي أغنى البشرية بحضارته العريقة، ومن أجل هذا فإننا سنعمل بكل وسيلة ممكنة لمساعدتكم على التغلب على هذا الوضع، وندعو المرجعيات الدينية والعلماء والقيادات السياسية والعشائرية في العراق، إلى الوحدة والتكاتف والتضامن من أجل مستقبل العراق، ومستقبل أمتنا جميعا، إنني كهاشمي ومن آل البيت وكعربي حريص على كل عراقي شيعياً كان أم سنياً أم كردياً، أعمل من أجل أن يتعافى العراق، ويستعيد دوره كعامل من عوامل الاستقرار في المنطقة، فما يجري في العراق يؤثر حتما على مستقبل هذه المنطقة، وليس من المنطق أن يترك العرب العراق لوحده، لمجابهة التحديات والأخطار المحدقة به.. فما يصيبه يصيبنا.. ومن واجبنا جميعا أن نسهم في دعمه ومساندته.

الصباح الجديد: لم يوفر الإرهاب الأعمى الدماء الأردنية الغالية كما هي دماء العراقيين، وشاهدنا جميعا قسوة الإرهاب الذي انتهك دماء المدنيين العزّل في فنادق عمان، هل عزز التهديد الإرهابي التنسيق الأمني بين البلدين أم لا تزال المشكلات التقنية والإدارية تقف في وجه التعاون المنتظر؟

جلالة الملك: العمليات الإرهابية التي استهدفت الأردنيين في العام الماضي، وخاصة جرائم التفجيرات في ثلاثة فنادق في عمان، شكلت بالنسبة لشعبنا صدمة كبيرة، وجعلتنا أكثر تماسكا وحرصا على الوقوف في وجه الإرهاب الأعمى، الذي يستهدف الأبرياء من الأطفال والنساء والآمنين... لقد أدركنا بعد هذه العمليات الإجرامية، بؤس الخطاب والأفكار التي ينادي بها الإرهابيون، أما فيما يخص التنسيق الأمني بين الأردن والعراق، فنأمل أن يرتقي إلى المستوى الذي نستطيع من خلاله القضاء على الإرهاب.

الصباح الجديد: أين وصل برنامج تدريب رجال الشرطة والأمن العراقيين الذي تقوم به المملكة منذ سنتين؟ هل لا زال متواصلا وهل أنتم راضون عن التقدم الحاصل في مجال التدريب؟

جلالة الملك: لقد جاء برنامج التدريب الذي نقوم به في الأردن لرجال الشرطة والأمن العراقيين، انطلاقا من حرصنا على أمن العراق ووحدته، فنحن على قناعة تامة أنه كلما ضمنا تأسيس جيش عراقي قوي وشرطة مدربة ومؤهلة، فإننا نستطيع أن نضمن أن نبني العراق وننهي التواجد الأجنبي فيه.. فالبرنامج لا زال قائما، ونأمل من خلاله المساهمة في تحقيق الأمن وإعادة الاستقرار إلى أرجاء العراق كافة، لقد تمكنا لغاية الآن، من تدريب حوالي "32" ألف من كوادر الشرطة، وهناك ثلاثة آلاف ما زالوا يتلقون تدريباتهم، كما تم تدريب نحو سبعة آلاف من قوات الجيش العراقي، هذا بالإضافة إلى تدريب كوادر مدنية أخرى في مجالات الكهرباء وخدمات المطارات وغيرها.

الصباح الجديد: إلى أي مدى استهدف الإرهاب الأردن؟ هنالك الكثير من المعطيات، إنما بودنا أن نرى تقدير جلالتكم لمحاولات اختراق المجال الأمني الأردني؟

جلالة الملك: الأردن مستهدف من الإرهابيين لأنه يمثل صوت الاعتدال والوسطية، ولأننا نقف ضد التطرف والتكفير، فقد أصبحنا مستهدفين من الجماعات الإرهابية في العراق، ولدى أجهزتنا الأمنية إستراتيجية طويلة الأمد، لمحاربة الإرهاب والتكفير، وخلال العام الماضي وهذا العام، تم إحباط العديد من العمليات الإرهابية ومصادرة الأسلحة والمواد المتفجرة التي كانت تستهدف مواقع حيوية أردنية، لكن الاختراق الذي حصل في عملية تفجير الفنادق، هو أن الإرهابيين استخدموا عناصر غير أردنية، حيث كان منفذو هذه العمليات من العراقيين.. وكما تعلم فإن الحدود الأردنية يدخلها يومياً من أربعة آلاف إلى خمسة آلاف شخص، ولذلك، فقد دفعت هذه العملية الأجهزة الأردنية إلى زيادة الحذر، واستخدام الوسائل كافة لمنع تسلل الإرهابيين إلى الأردن، إن قضية الإرهاب لا يستطيع العراق أو الأردن أو أي بلد أخر مجابهتها لوحده، بل لا بد من الدعوة إلى عمل جماعي، وإلى توحيد موقفنا جميعا ضد الإرهاب وكل من يدعمه أو يؤيده، وهي دعوة كذلك لرفض الفكر التكفيري ونبذ كل من يدعمه بأي وسيلة كانت.

الصباح الجديد: معدلات ووتائر التعاون الاقتصادي والتجاري مع العراق تتعرض لموجات من الصعود والهبوط، ما هي وسائل تطوير التبادل والاستثمار بين البلدين، وإلى أي مدى يعكس التوتر الأمني والعمل الإرهابي نفسه على تلك القطاعات؟

جلالة الملك: للأسف أن حجم التعاون الاقتصادي والتجاري مع العراق لا يرقى أبدا إلى مستوى العلاقات الأخوية التي تربط بين البلدين... الحقيقة أن هناك وضع أمني ساهم في تراجع حجم التبادل التجاري بين البلدين، فصادراتنا إلى العراق انخفضت انخفاضا ملحوظا في العامين الماضيين، ونأمل أن تكون هناك خطوات عملية وجادة لزيادة التعاون الاقتصادي والتجاري بين الأردن والعراق ليعكس حقيقة العلاقة المميزة بين الشعبين الشقيقين.

الصباح الجديد: جلالة الملك، ثمة أكثر من مليون مواطن عراقي يقيم في الأردن حاليا.. وهنالك موجة هجرة جديدة بسبب التدهور الأمني في العراق، بعضهم اضطر إلى الانتقال في ظل الظروف الصعبة المعروفة، وهم يتطلعون إلى تسهيل المعاملات والإجراءات الرسمية الخاصة بإقامتهم ودخولهم من النقاط الحدودية من طرفي الحدود عن العراق وسوريا، لا سيما وأن غالبية المواطنين ليسوا سوى ضحايا الإرهاب وترويعه، هذه الالتفاتة ستعطي انطباعا جيدا وتحظى بالتقدير؟

جلالة الملك: أود من خلال صحيفتكم أن أقول للعراقيين وخاصة الذين يعيشون بيننا أنكم بين أهلكم وإخوانكم، نرحب بكم ونتقاسم معكم لقمة العيش، نحن لا نميز بين سني وشيعي أو كردي، فاليوم في عمان تجد العراقي يعيش مع أخيه الأردني في نفس العمارة، يجمعهم هم واحد هو خلاص العراق من محنته الصعبة، إن قدر الأردن دائما أن يكون موئلا وملاذ آمنا لكل العرب، الحقيقة قد تكون هناك بعض الأمور التي تحدث على الحدود من حيث تأخير إنهاء المعاملات، لكنها في مجملها تكون لأسباب احترازية، خشية من تسلل إرهابيين إلى الأردن، ولهذا كما أسلفت لك، فإننا نعكف على بناء مركز حدودي عصري، يوفر التسهيلات كافة والراحة للقادمين والمغادرين عبر الحدود التي تربطنا مع العراق الشقيق.

الصباح الجديد: تثير تفاعلات الملف النووي الإيراني المخاوف من عودة المنطقة إلى أجواء عدم استقرار إقليمي يفاقم مشكلات مماثلة.. وينذر بمرحلة ما من مراحل نزاع أو حرب باردة مصغرة، هل ثمة مبادرات لتبريد الملف يقوم بها الأردن وجلالتكم لا سيما وأن إشارات قلق دولي أخذت تبرز بصدد الدور الإيراني في العراق أو احتمال استخدام العراق ورقة إقليمية في نزاعها مع الولايات المتحدة؟

جلالة الملك: إننا في الأردن نؤمن بأن الحوار هو السبيل الأمثل لحل مثل هذه الأزمات وتفادي مخاطرها، ونحن ندعو دوما إلى منطقة شرق أوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، كما أننا نؤكد على أن أي تصعيد للموقف في هذا الموضوع سيزيد من حالة التوتر والاحتقان التي تشهدها المنطقة، والتي نحاول جاهدين ومنذ فترة طويلة إلى إخراجها من هذا المنزلق الخطير، والأردن دوما على استعداد للانضمام لأي مسعى جاد يساعد في إطلاق الحوار بين إيران والمجتمع الدولي في هذا المجال.

الصباح الجديد: يجادل خصوم العرب والمسلمين بأننا لم نصل بعد إلى قناعات واضحة وراسخة فيما يتصل بالحكم الرشيد وما يرافقه من مناخ ديمقراطي وعدالة اجتماعية.. هل بلغنا مرحلة العجز عن بناء دول رشيدة مستقرة وعادلة؟

جلالة الملك: لمواجهة مثل هذا المنطق، فإن الحاجة تستدعي المضي قدما في اتخاذ إجراءات تصب في تحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية، يتم ترجمتها على أرض الواقع، وتستند إلى قاعدة قوية من العدالة والمساواة، ونحن في الأردن لنا رؤيتنا في هذا الشأن، ونعمل منذ فترة وبالرغم من المعوقات التي تواجهنا على تنفيذها لبناء اقتصاد قوي ومجتمع عصري منفتح قائم على التعددية والديمقراطية والاعتدال، وقبول الأخر وحرية التعبير واحترام الرأي والرأي الأخر، وحالياً تعمل الحكومة على اتخاذ الخطوات اللازمة، لتنفيذ توصيات الأجندة الوطنية في مجالاتها كافة.