رسالة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى رئيس الوزراء علي أبو الراغب حول تطوير القضاء

From King Abdallah II of Jordan
29 آب/أغسطس 2000

بسم الله الرحمن الرحيم

عزيزنا دولة الأخ علي أبو الراغب حفظه الله ورعاه
رئيس وزرائنا الأفخم

أبعث إليكم بصادق مودتي وتقديري لعطائكم وأنتم تنهضون بأمانة المسؤولية، بثقة وإخلاص وعزيمة ماضية، وبعد،

فقد كان جهاز القضاء في وطننا العزيز وما يزال موضع ثقتنا وتقديرنا، حيث نهض وباستمرار بمسؤوليته الدستورية في تحقيق العدالة للجميع وتأكيد سيادة القانون في المجتمع. وفي ضوء هذه الحقيقة فإننا نؤكد اعتزازنا بجميع العاملين في هذا المرفق، وحرصنا على إعلاء شأنه وتعزيز استقلاليته ووحدته، حتى يظل على الدوام قادرا على التجدد وأداء رسالته الحضارية والنهوض بمسؤولياته الجليلة في حماية حقوق المواطنين وصون حرياتهم وإرساء قواعد العدل والمساواة وإشاعة الطمأنينة بين أبناء المجتمع الأردني.

وفي ضوء التطور الاجتماعي والاقتصادي والديمقراطي الذي تشهده البلاد وما يحمله هذا التطور من تحديات، فإننا نتطلع بكل الثقة والعزم إلى تطوير مرفق العدالة في المملكة من جميع جوانبه، بما يعزز استقلالية السلطة القضائية، ويضمن للعاملين في القضاء مستوى لائقا وحياة كريمة لهم ولأسرهم.

وإنني إذ أؤكد مسؤولية جميع السلطات الدستورية ومؤسسات الدولة والمجتمع وأقدر عاليا دورها في تحقيق عملية التطور والتنمية، فإنني أعتقد بأن للقضاء المؤهل والنزيه دورا حيويا في تحقيق العدالة وتعظيم التنمية الوطنية بأبعادها المختلفة، وضمان الاستقرار للمواطنين وتمكينهم من العيش الآمن في ظل الدستور وسيادة القانون.

ونظرا لما للقضاء من دور مهم وأثر على جميع نواحي الحياة في وطننا العزيز، فإنني أعهد إليكم بتشكيل لجنة ملكية برئاستكم، تتولى مهمة وضع خطة متكاملة لتطوير هذا المرفق والأجهزة المساندة له بحيث تشمل ابتداء دراسة واقع الجهاز القضائي وإعادة النظر بصورة جذرية في تكوينه، والعمل على رفده بالكفاءات المتميزة علما وخلقا، ووضع البرامج اللازمة لتأهيل وتدريب القضاة، وتوفير الظروف الملائمة لعملهم في المحاكم، والأخذ بمبدأ التخصص في مختلف فروع القانون، وتمكين القضاة من متابعة التطورات العلمية والتقنية المتلاحقة في التشريع وأحكام الفقه ومجالات القضاء المختلفة في هذا العالم، والاطلاع على كل جديد ومفيد في العلوم القانونية وتطبيقاتها المختلفة.

ولا بد أن تشتمل هذه الخطة على إعادة النظر في التشريعات الأساسية الناظمة لعمل القضاة، وفي مقدمتها قانون استقلال القضاء وقانون تشكيل المحاكم وتشريعات أصول التقاضي المدنية والجزائية، بما يكفل معالجة المشكلات الإجرائية والموضوعية وتيسير عملية التقاضي وتمكين المحاكم من البت بكفاءة وقدرة على الإنجاز في ما يعرض عليها من قضايا، ويضمن تنفيذ الأحكام دون عوائق، ويصون حقوق الناس من الهدر والتآكل ويحمي الحريات من أي تعسف ويحقق العدالة للجميع في مناخ من الثقة والاطمئنان.

وإنني إذ أقدر أهمية التصدي لهذه المسؤولية وما تتطلبه من دقة وجهد كبيرين، فإن لي كل الثقة بقدرتكم والأخوة أعضاء اللجنة على النهوض بها بالتعاون مع كل القادرين من أهل الخبرة والتخصص من أبناء وطننا، الذين لن يضنّوا بفكرهم وجهدهم في سبيل إنجاح هذه المهمة.. متطلعا إلى أن يتم إنجاز هذه المهمة قبل نهاية هذا العام.

سائلا المولى عز وجل أن يوفقكم ويعينكم على حمل ما تنهضون به من مسؤوليات جليلة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبد الله الثاني ابن الحسين