رسالة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى طلبة المدارس بمناسبة العام الدراسي 2012 - 2013
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد،
النبي العربي الهاشمي الأمين،
أبناء وبنات الأردن الحبيب، طلابا وطالبات، معلمين ومعلمات، وجميع أعضاء الأسرة التربوية والتعليمية على امتداد ربوع الوطن:
كم يطيب لنا في هذا اليوم من أيام الوطن الأشم ان نتوجه إليكم بتحية من القلب والوجدان، وأنتم تعودون إلى مقاعد الدرس في المدن والريف والبوادي والمخيمات، طلابا ومعلمين ومربين، تجددون العطاء وتثرون مسيرة بناء وتطوير الأردن العزيز.
وفي هذه المناسبة الغالية على قلب كل أم وأب يرى أبناءه وبناته يكبرون، نستلهم من قوله تبارك وتعالى في العلم وفضله أفضل البدايات في مطلع عامكم الدراسي، إذ قال:
"اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ"
صدق الله العظيم.
ويسعدنا في هذا اليوم ان نعبر عن اعتزازنا بكم، طلاباً ومعلمين، ونؤكد دعمنا الموصول لكم، فأنتم صناع المستقبل، وبعزمكم وعطائكم تتواصل مسيرة الوطن الخيرة، وفق نهج تعليمي وطني، ومنظومة فكرية وأخلاقية صنعت من الأردن أنموذجاً في المنطقة، من حيث تميز إنسانه الطيّب، وقدرته على تجاوز الصعاب والتحديات بالمثابرة والإبداع.
واليوم، ونحن على أبواب تحولات وطنية، نقبل عليها بوعي وثقة، وعلى أعتاب تحديات نوعية نواجهها بالعمل الجماعي والتماسك والوحدة، نخاطب قلوبكم وعقولكم، فأنتم أساس المجتمع، والتغيير والنهوض يكون معكم وبكم ومن أجلكم.
ومن ثوابت نهجنا، منذ تولينا أمانة المسؤولية، الحرص على تمكين الشباب، فقد أعز الله بلدنا بمجتمع فتي، وكان اجتهادنا ان نوظف هذه الخاصية في بناء وتطوير المجتمع بالاعتماد على المورد البشري كعنصر أساسي في تحقيق التغيير الإيجابي الذي ننشد، وكنّا واعين لأهمية ان يكون الأردن شريكا فاعلا في صياغة الحضارة الإنسانية، ما يتطلب إتقانكم لأحدث أدوات المعرفة، لتتمكنوا من تتبع تطورها وإعادة إنتاجها وتوظيفها، ولتجعلوها في خدمة وطنكم الغالي والإنسانية جمعاء.
ومن أهم أوجه التمكين الذي نريده لشباب الوطن، طلاباً وطالبات، إرساء دعائم الديمقراطية والحوار والتعددية الفكرية قيما اجتماعية عليا في مدارسنا بهدف إنشاء أجيال تحترم التنوع، وتجادل بالتي هي أحسن، وتتقبل الاختلاف وتعي أهمية الإقناع.
ان دوركم كطلاب ومعلمين ومربين ان تجعلوا من البيئة المدرسية في الأردن، مجتمعاً مصغراً يحفز الطلاب على قيم الديمقراطية، فيتشربوها ويؤمنوا بها ويمارسوها في انتخابات مدرسية، وحوارات صفية، وتنتقل معهم من المدرسة إلى البيت، ومن جيل إلى جيل، فيتم الإصلاح الذي ننشد بترسيخ ثقافة الديمقراطية والرأي والرأي الآخر في المجتمع، ومن هذا المنطلق، فإننا نرى في البرلمانات المدرسية تجربة واعدة نعول عليها في نشر وممارسة فنون وآداب الحوار والإقناع، وقبول واحترام اختلاف وتنوع الآراء، ووسيلة للتثقُّف السياسي حتى يتمكن الطلبة من الإقبال مستقبلا على خياراتهم السياسية والمشاركة في بناء الوطن عن ثقة ومعرفة وخبرة.
بناتنا وأبناءنا الطلبة،
ان هذا الطموح الذي نتوسمه فيكم لا يتحقق دون جهد وإيمان معلميكم ومعلماتكم المخلصين، أصحاب الأمانة والرسالة النبيلة، الذين أدعوهم اليوم إلى زرع القيم التي تبني مستقبلاً أجمل: قيم الإيمان بان العدل والمساواة والتشاركية والمسؤولية هي أساس المواطنة الصالحة، وقيم الإقبال على خير العمل لأن فضل الإنسان بعمله، وبما يعطي لوطنه وليس ما يأخذ منه، وهذا يترجم عبر نشاطات العمل التطوعي الذي يزيد الارتباط بالمجتمع المحلي، ويشجع روح الريادة التي تقلب التحديات إلى فرص بالاعتماد على الذات وتعزيز الإبداع والابتكار.
وفي إطار حرصنا الموصول على النهوض بنوعية التعليم ومخرجاته، فقد وجهنا لعقد مؤتمر وطني متخصص للتطوير التعليمي والتربوي، تساهم فيه الجهات المعنية بقطاع التعليم، للخروج بخطة عمل تحقق الإصلاح التربوي الشامل، الذي هو أساس صلاح وخير المجتمع، وتعالج تحديات قطاع التعليم، مستفيدة مما تحقق من إنجازات كبيرة خلال السنوات الماضية.
ونأمل ان تولي جميع الجهات التربوية والتعليمية المعنية، بما فيها نقابة المعلمين – التي جاءت وليدة المبادرة الرائدة وباكورة للتحولات الاجتماعية والفكرية الإيجابية المعبرة عن رؤيتنا الإصلاحية الشاملة – جلّ الاهتمام والأولوية للارتقاء بمخرجات التعليم ونوعيتها، وترسيخ المنظومة الأخلاقية الكفيلة بترسيخ النهج الديمقراطي الذي ننشد.
بناتنا وأبناءنا الطلبة،
قد يكون الأردن قد حُرم من الكثير من الموارد الطبيعية، لكن المورد الحقيقي والمتجدد هو عقولكم النيرة وسواعدكم المعطاءة، فأنتم أجيال المستقبل، ومنبع الأمل ومفتاح النجاح، فبكم ومعكم يكبر الوطن ويترجم حلمنا وطموحات شعبنا بأردن الديمقراطية والمسؤولية والريادة، ولكم منا الالتزام الدائم بالعمل والدعم والشراكة من أجل تطوير مسيرة التعليم واستمرار تقدم مخرجاته، ولن نألو جهداً في سبيل الارتقاء بالظروف التعليمية نحو أفضل المستويات والممارسات العالمية.
ونسأل المولى عز وجل ان يكون عامكم الدراسي هذا مناسبة لتجديد مسيرة حافلة بالتميز والإبداع، ومفتوحة على أوسع الآفاق، لتسهموا في بناء وطنكم بكل كفاءة واقتدار، ولتخدموا رسالة أمتكم الحضارية والإنسانية بالعلم النافع والعمل الجاد والمخلص، وأنتم أهل لذلك، ان شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبد الله الثاني ابن الحسين