رسالة جلالة الملك عبدالله الثاني بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني

From King Abdallah II of Jordan
23 تشرين الثاني/نوفمبر 2005

بسم الله الرحمن الرحيم

سعادة السيد بول بادجي
رئيس لجنة الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني

تحية طيبة وبعد،

أود أن أجدد في رسالتي هذه مخاطبتي لسعادتكم، التي تجيء سنويا في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، مقدما لكم شخصيا وللجنتكم الموقرة الشكر العميق والتقدير الكبير على الجهود الموصولة والمتواصلة التي تبذلونها في إطار اختصاص هذه اللجنة، هادفين إلى تمكين الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه غير القابلة للتصرف، وصولا به إلى تأسيس دولته المستقلة ذات السيادة على ترابه الوطني كغير من شعوب العالم التي تمارس هذا الحق أو نالته بعد حين.

ونظرا لكون علاقة بلدي وشعبي بفلسطين وشعبها الشقيق علاقة متميزة، يتداخل فيها الترابط التاريخي والحضاري والثقافي والإنساني في تلاحم عضوي، زاد من لحمته الجوار المتلاصق جغرافيا ومنابت وأصول الشعبين الشقيقين، فقد كانت جهود الأردن السياسية والدبلوماسية، وما زالت، ومنذ أن نشأت القضية الفلسطينية، منصبة على تأمين الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وفق احترام الشرعية الدولية المستندة على المبادئ التي أنشأت من أجلها الأمم المتحدة وتقوم عليها، والمتمثلة بحل النزاعات بالطرق السلمية، وعدم استخدام القوة ونبذ العنف، والتعاون مع مختلف الدول والجهات الدولية في هذا المجال بما فيها لجنتكم الموقرة، منطلقين في ذلك أيضا من قيمنا التي لا تسمح لنا بأن نقف مكتوفي الأيدي أمام مأساة الشعب الفلسطيني الإنسانية، القائمة على إنكار أبسط الحقوق الدولية المتعارف عليها، وهي حقه بالحرية وتقرير مصيره، وبقيام دولته المستقلة على ترابه الوطني.

إننا، وأمام الأوضاع المأساوية المتردية التي يعيشها الشعب الفلسطيني هذه الأيام، نتيجة استمرار الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته التعسفية، التي من بينها لجوئه إلى العقوبات الجماعية، من تهديم للمنازل والبنى التحتية والاعتقال التعسفي وعمليات الاغتيال الفردية لفلسطينيين بحجج أمنية أو استخبارية، وما يترتب على ذلك من ردود أفعال، مبنية على اليأس، ومنطلقة من الظلم الذي يعيشه كل فلسطيني تحت الاحتلال، فإن علينا، أمام هذه المآسي المتراكمة يوميا، أن نعمل يدا بيد مع كل دعاة السلام والحق والعدل والمؤمنين بالشرعية الدولية، لوضع حد لذلك، وبخاصة أنه بين أيدينا الوسيلة التي ستؤدي إلى ذلك وهي "خريطة الطريق" التي تحتاج إلى تفعيل لوضعها في مسارها السليم.

وكما تعلمون سعادتكم، فإن هذه الخطة، هي السبيل الوحيد لتحقيق تسوية سلمية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وضمان حقوق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة. وعليه فإننا نهيب باللجنة الرباعية، أن تبذل المزيد من الجهد لاستئناف الجهود السلمية الثنائية بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية لتحقيق السلام.

إننا في المملكة الأردنية الهاشمية قد رحبنا بالانسحاب الإسرائيلي من غزة، ونشدد مجددا، بأنه يجب اعتبار هذا الانسحاب جزءا من خريطة الطريق، وبأنه على إسرائيل أن تمتنع عن اتخاذ إجراءات أحادية قد تؤثر على مفاوضات الحل النهائي أو تخلق وقائع جديدة على الأرض، مستذكرين بهذا الصدد موقف الاتحاد الأوروبي الرسمي من هذا الانسحاب ومؤيدين له.

في ذات الإطار، فإن على إسرائيل أن تحترم بشكل كامل وتطبق قرار محكمة العدل الدولية الذي أصدرته في تموز/ يوليو 2004 بشأن الجدار. وتتفق المملكة الأردنية الهاشمية في وجهة النظر مع محكمة العدل الدولية، في أن إنشاء هذا الجدار سيهدد حتما الهدف النهائي من خريطة الطريق، عدا عن أنه أدى إلى خلق حالة من التدهور المتسارع في جميع مناحي الحياة للشعب الفلسطيني، من تجزئة للضفة الغربية، وتقطيع لأوصال الاتصال بين مدنها وقراها وحتى سكانها، وأحداث خلل لا إنساني في الحياة الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية للسكان.

وسعيا منا للمساهمة مع جهود لجنتكم، والجهود الدولية والإقليمية المبذولة لوضع حد لمأساة الشعب الفلسطيني وتأمين حقوقه المشروعة، وأمام التطورات التي تشهدها القضية الفلسطينية، وبخاصة بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة، وتقطع لغة الحوار والتفاوض البناء بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، فقد قمت شخصيا، وما زلت، بمساعي اتصال شخصية مكثفة مع الطرفين ومع أطراف دولية أخرى فاعلة ومؤثرة، مثل الولايات المتحدة الأميركية، ودول اللجنة الرباعية، من أجل التقريب بين الطرفين، للبدء في الحوار والتفاوض البناء فيما بينهما، لتسوية جميع الأمور العالقة أو المعيقة التي تقف في طريق تحقيق السلام، وصولا إلى تطبيق خريطة الطريق باتجاه إنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وتأمين الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، التي في قمة خاتمتها الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على التراب الوطني الفلسطيني.

السيد الرئيس،
السادة أعضاء اللجنة الموقرة،

في الختام لا يسعني إلا أن أكرر الشكر الجزيل لكم على جهودكم الخيرة، الرامية إلى تثبيت الحقوق الفلسطينية المشروعة، مؤكدا لكم وقوفنا معكم وإلى جانبكم لتحقيق هذه الأهداف النبيلة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
عبد الله الثاني ابن الحسين