خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني بمناسبة توقيع اتفاقية التعاون بين بلديتي عمان وأثينا

خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني بمناسبة توقيع اتفاقية التعاون بين بلديتي عمان وأثينا

اليونانأثينا
21 كانون الأول/ديسمبر 2005
(مترجم عن الإنجليزية)

بسم الله الرحمن الرحيم

الشّكر لك، والشكر لكم جميعاً. ويشرفني أن أتسلّم الميدالية الذهبيّة لأثينا. فهي بالنسبة لي رمز لكل ما منحته مدينتكم التاريخيّة للعالم - من قيم مثل الحكم الرّشيد؛ ونمو المعرفة؛ والشراكة مع الآخرين؛ كما هي رمزٌ لكل الموروث الذي قدمته اليونان - وما زالت تقدمه - للعالم، وهو موروث هائل لا يمكن حصره.

ولهذا، فإنني أتقبّل باعتزاز كبير هذا التشريف، نيابة عن جميع الأردنيين. وباجتماعنا اليوم معاً فإننا نحتفل أيضاً بالصداقة الخاصّة والروابط التاريخيّة الفريدة بين شعبي اليونان والأردن. والاتفاقيات التي نوقعها اليوم، ستعمل، كما آمل، على التقريب بيننا بصورة أكبر في السنوات القادمة.

أصدقائي،

على مدى ما يزيد على ستة آلاف عام، شكّلت أفكار منطقتينا وشعبينا ومعارفهما وقيمهما العالم بأسره، وهي مستمرة في هذا بكل الطرق الممكنة. إن بلادي ومنطقة المشرق وهبت العالم (من بين ما وهبته) الحضارة الراقية، والقراءة والكتابة، والقانون، والزراعة، والطب، والفلك، والرياضيات، والديانات الـمُوحّدة الثلاث: اليهوديّة، والمسيحية، والإسلام التي تؤمن بها غالبية النّاس في العالم اليوم. واليونان قدمت للعالم (من بين ما قدمته) الفلسفة، والثقافة الكلاسيكية، والدراما، والعلم التجريبي (بما في ذلك الطب التجريبي)، وعلوم الهندسة، والديمقراطية، وقيم الحريّة الفردية. وهكذا، فإنّ معظم ما لدى الإنسانيّة من معارف، وثقافة، وموروث، وحتى معظم ما لديها من أديان انبثق من أرضنا في المشرق واليونان.

ومع أن بلدينا اليوم قد يبدوان صغيرين في الحجم، فإننا ما نزال الأمناء على أفضل ما لدى العالم من موروث. وإحدى الوسائل لتحقيق هذا، معاً، هي حماية بطريركية القدس الأرثوذكسية اليونانيّة، أقدم كنيسة في العالم، وكنيسة الأراضي المقدسة. وهناك أيضاً وسيلة أخرى، هي أن نحافظ على استمرار حوار يقوم على الاحترام بين المسيحية والإسلام، أكبر ديانتين في العالم.

إنّ الإسلام والمسيحية، كليهما، يعلّماننا الإيمان بالله الواحد الأحد، والإخلاص له... ويعلماننا أيضا أن نحبّ إخواننا من بني البشر. يأمرنا عيسى المسيح، عليه السلام، بأنّ نحبّ الربّ إلهنا، وأن نحبّ جارنا. وفي هذا السياق أيضاً، يقول النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، "والذي نفس محمد بيده، لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبّ لنفسه".

إنّ هذه التعاليم راسخة في صميم التزام الأردن بالسلام، والتسامح، والعدل. كما أنها في جوهر وقلب دعوة الأردن إلى تبليغ صورة الإسلام الحقيقيّة. فتبليغ الإسلام بصورته الحقيقيّة يعمل على تمتين أسس وسطية ديننا، الذي يؤمن به أكثر من 2, 1 مليار إنسان. كما أنّ هذه التعاليم تضرب بجذور التطرّف من خلال تعرية زيف الأيديولوجيات المتطرفة، ورفض الكراهية والعنف اللتين تتّصف بها أفعال المتطرفين باعتبارهما تشويهاً لصورة الإسلام.

ولقد تمثلت مبادرتنا على أرض الواقع في الشهر الماضي، بعد تفجيرات عمّان، عندما هبَّ الأردنيون من مختلف شرائح المجتمع، معاً، لتحدّي الإرهاب وتأكيد قيم الإسلام الحقيقيّة. ولكن هذه المبادرة بدأت قبل ذلك بكثير، قبل ما يزيد على العام، عندما أطلقنا رسالة عمّان - وهي توضيح للطبيعة الصحيحة للإسلام ودعوةٌ للتعايش السلمي بين جميع الأمم. وأَتْبعنا الرسالة من بعدُ، في تموز/ يوليو من هذا العام، بمؤتمر عقد في عمّان وشارك فيه ما يزيد على 180 من علماء المسلمين من 45 بلداً. وكانوا يمثلون جميع المدارس الفقهية الإسلامية الثماني، التي تنتمي إلى الفروع الثلاث الرئيسية في الفقه الإسلامي - السنيّة، والشيعية، والإباضية. وقد دعمتْ أبحاثَ المؤتمر عشرون فتوى صدرت عن المرجعيات الإسلامية الرئيسية في العالم.

وقد وقّع العلماء المسلمون على بيان مشترك يؤكد على أن كل من ينتمي إلى المذاهب الثمانية هو مسلم، وكذلك هم أصحاب العقائد والممارسات الإسلامية الصحيحة. كما ان العلماء أدانوا التكفير، وهي ممارسة قوامها نَعْت الآخرين بالكفر، لتبرير إيقاع عمليات العنف الوحشية الجائرة عليهم. وحدّدوا، في نهاية البيان، شروط إصدار الفتاوى، مبيّنين بذلك أن الفتاوى التي يصدرها المتطرفون لتبرير العنف تنتهك بصورة جليّة تعاليم الإسلام. وقبل أسبوعين، وبمبادرة من الأردن، حظيت عناصر البيان الثلاثة هذه بموافقة إجماعية من منظمة المؤتمر الإسلامي العالمية.

أصدقائي،

إن البيان الذي صدر عن مؤتمر القمة الإسلامي هو مبادرة إسلامية. ولكن الاعتدال واحترام الآخرين ليس نهجاً للمسلمين وحدهم. وعلينا جميعاً أن نعمل من أجل التفاهم، والتسامح، والحوار. وهذه هي رسالة شراكتنا الأورومتوسطية، التي لعبت فيها اليونان دوراً بالغ الأهمية. كما أنها مسؤوليتنا المشتركة باعتبارنا مَنْ عمل تاريخياً على تشكيل عالمنا. إن للشعب اليوناني دور مركزي آخر يقوم به في المساعدة على بناء الجسور بين الشعوب ومناطق العالم. وفي دعم السلام: حل دائم عادل للنزاع العربي- الإسرائيلي، يقوم على وجود دولتين، دولة فلسطين ذات السيادة والقابلة للحياة، ودولة إسرائيل الآمنة؛ وعراق مستقر مُوحّد، يعاد بناء اقتصاده، ويضم مجتمعه المدني الجميعَ.

كما يمكن للشعب اليوناني أن يدعم ويشجّع الإصلاحات الإقليمية التي تعمل على تقدّم التنمية والاستقرار - وتوفر الفرص التي يحتاج إليها شبّاننا بصورة ملحة. والأردن يقود المسيرة في الشرق الأوسط، ببرنامج شامل للإصلاحات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية. وقد شارك قادة القطاعين العام والخاص بصورة مباشرة في تطوير أجندتنا الوطنية الجديدة، التي ستكون مرشدا وهاديا للعمل الحكومي للسنوات العشر القادمة. وقد بدأنا بتحقيق النتائج، وستظل المسيرة مستمرة. وأدعوكم للحضور إلى عمّان لتشاهدوا كلاّ من الأردن الحديث وموروثه القديم، بما في ذلك ارث الحقبة الهلنستيّة.

واسمحوا لي، وقد اقترب موعد الاحتفال بعيد الميلاد المجيد، أن أتمنى لكم جميعاً عيداً سعيداً.

وأشكركم جزيل الشكر.