خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني خلال الاجتماع العام للدورة السادسة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة

خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني خلال الاجتماع العام للدورة السادسة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة

الولايات المتحدة الأميركيةنيويورك
21 أيلول/سبتمبر 2011
(مترجم عن الإنجليزية)

بسم الله الرحمن الرحيم

السيد الرئيس،
السيد الأمين العام،
السادة رؤساء الوفود الأفاضل،
أعضاء الجمعية العامة،

يشرفني أن أخاطب هذا الجمع التاريخي مرة أخرى، واسمحوا لي أن أقدم تهاني الحارّة للرئيس الجديد للجمعية سعادة السيد ناصر عبد العزيز الناصر. إن الأردنيين يتذكرون جيدا عهد سعادتكم المميز كسفير لقطر في الأردن. فتقبل منا أفضل الأمنيات لانتخابكم رئيسا للجمعية العامة. واسمح لي يا سيادة الأمين العام أن أعبر عن تهاني الحارة لانتخابكم لفترة ثانية.

أصدقائي،
في هذا العام، وفي المنطقة التي جئت منها وفي كل أنحاء العالم، يجد الزعماء أنفسهم مطالبين بأن يستمعوا - وأن يعملوا وفقا لذلك.
أن يعملوا على حل المشاكل الدولية الخطيرة في مجالات الاقتصاد والبيئة وصناعة السلام.
وعلى تعزيز كرامة البشر، كل البشر، بدون تمييز – ودعم الحقوق المتساوية لكل الأمم كما ينص ميثاق الأمم المتحدة.
وعلى توفير حياة سياسية واقتصادية يشارك فيها الجميع، وخصوصا الشباب.
وأن يثبتوا أن العدالة الدولية ليست مجرد كلام، وأنه يمكن تحقيقها عبر الوسائل القانونية السلمية، وأن يتم ذلك فورا بدون تأخير.

لقد وصل التحدي إلى منطقتي، حيث تحدث في الوقت الراهن تحولات تاريخية. وقد شهدنا هذا العام تغيرات هائلة، بعضها عبر نقلات منظمة، وأخرى رافقتها أحداث صاخبة كان لها ثمن باهظ من الدم المسفوح والخسائر.

ولكن أولئك النفر منا ممن رحبوا بالإصلاح وقادوا مسيرته متفائلون. ونحن نرى في  الربيع العربي فرصة لمأسسة التغير الإيجابي، التغير الضروري لبناء مستقبل منيع آمن ومزدهر. وسيكون بوسعنا أن نبني على الإنجازات الرائدة للحضارة العربية الإسلامية، بما تحمله من قيم جوهرية من تعاطف وتحمل للمسؤولية وتسامح واحترام للغير.

وبالنسبة لبلدي الأردن، فإن هذه الفرص قد فتحت الباب واسعا لتنشيط عملية الإصلاح القائمة فيه، والتي نريد أن ينخرط الجميع فيها وأن تكون جهدا وطنيا يحقق هدفنا المتمثل في حكومة برلمانية. والمقصود من التغير الديمقراطي الذي لا رجعة عنه أن نؤسس بنى جديدة. ويعني كذلك ترسيخ نمط حياة جديد متمثل في المسؤولية الفاعلة للمشاركة في الأحزاب السياسية وصياغة برامج انتخابية سياسية واقتصادية واجتماعية، والعمل مع الآخرين يدا بيد لبناء المستقبل الذي يطمح إليه شعبنا. ويعني التغير الديمقراطي أيضا أن نبني الإصلاح على الإصلاح، ليشمل ذلك سيادة القانون وتحقق العدالة وحماية الحقوق والحريات التي تقوم عليها الحياة الديمقراطية السياسية.

وفي وقت سابق شرع الأردن في مراجعة الوثيقة التي تشكل حجر الزاوية في حياته السياسية، وهي الدستور نفسه. ويقوم البرلمان الآن بوضع اللمسات النهائية على التعديلات ليتم إقرارها من قبل مجلسيه. ومن بين الأمور الرئيسية التي اعتمدت إنشاء محكمة دستورية وهيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات.

أصدقائي،
يعمل الأردن أيضا إلى جانب شركائه للتصدي لخطر عالمي آخر وهو الأثر السلبي الهائل للصراع الإقليمي. والأزمة الجوهرية التي تمثل العامل الأكبر والأوحد المؤدي للانشقاق وعدم الاستقرار هي  الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

إننا نقف اليوم أمام طريق مسدود، وقد فشلت الفرص التي توفرت قبل عام للتحرك قدما لإنهاء الصراع بشكل حاسم في كسب الزخم، فتوقفت المفاوضات ووصلت حالة الإحباط إلى ذروتها. وحتى لحظة حديثي إليكم هذه، لا يزال النشاط الاستيطاني الإسرائيلي يجري على قدم وساق، مخالفا لكل قانون دولي ومعاندا لكل احتجاج دولي قوي ضده. ونرى النشاط الاستيطاني قائما في القدس، مع أن هذه واحدة من قضايا الوضع النهائي والتي لا يمكن التوصل إلى حل لها إلا من خلال المفاوضات. ويشكل ذلك مصدر قلق دولي. وأقتبس عن جدي هنا قوله إن هناك "رابطا مقدسا" يربط المسلمين في كافة أنحاء الأرض بهذه المدينة المقدسة. ولا تسعفني الكلمات في وصف الأزمة التي يمكن أن تنتج عن الضرر الذي قد يقع على الأماكن المقدسة بالنسبة لأي دين، أو عن الجهود الهادفة إلى محق الهوية العربية للقدس الشرقية.

إن حل الدولتين المفضي إلى تلبية احتياجات الجانبين هو الحل الوحيد والممكن لضمان سلام دائم: دولتان، إحداهما فلسطينية مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة والأخرى دولة إسرائيل الآمنة والمقبولة. هذا هو جوهر كل الاقتراحات الدولية الرئيسية، بما في ذلك مبادرة السلام العربية. والكل متفق على وجوب استئناف المفاوضات سريعا لحل قضايا الوضع النهائي الرئيسية الأربع، وهي الحدود والقدس واللاجئين والاستيطان. حينها فقط يتوقف هذا الصراع عن كونه بؤرة للعنف الدولي، ويمكن حينها للشعب في كلا الجانبين أن يحظى بمستقبل يعمه السلام.

لقد أدرك الرئيس أوباما هذه الحقيقة الإستراتيجية الملحة عندما وضع معايير الحل في التاسع عشر من أيار الماضي. ولقد نظر العرب إلى هذه المعايير بإيجابية.

إلا أن إسرائيل مستمرة في بناء المستوطنات.

ووضعت اللجنة الرباعية والاتحاد الأوروبي وممثلون آخرون للمجتمع الدولي على الطاولة أفكارا قابلة للتنفيذ. ورحب العرب بها.

إلا أن إسرائيل مستمرة في بناء المستوطنات.

وهذا هو واقعنا الآن.

أصدقائي،
لا يمكن لنا أن نعلم الجيل القادم احترام القانون وتقبل الآخر إذا ما رأى القانون والتفاهم يخفقان المرة تلو المرة. يجب أن نعزز القانون، وإلا انهارت الحضارة.

ولن نستطيع تعليم قيمة العملية السلمية إذا ما فشلت العملية السلمية مرارا وتكرارا. ومع ذلك علينا التمسك بالعملية السلمية، وإلا ستضيع البشرية.

وأمام هذا الطريق المسدود يتمسك الأردن والعرب بمبادئ السلام والقانون. وقد جئنا هنا، إلى بيت الأمم، سعيا وراء العدالة الأممية.

وسنستمر في الدعم وبقوة حق الشعب الفلسطيني الثابت في الدولة تجسيدا لطموحاته، ووفقا لقرارات الأمم المتحدة، وضمن تسوية شاملة وعادلة وحل لجميع قضايا الوضع النهائي. إنه لحقهم أن يسعوا لذلك هنا، في بيت الأمم، الأمم المتحدة. وهذا ما علينا جميعا دعمه.

ونحن نسعى إلى تحقيق دفعة دولية قوية بخطوات ملموسة، ليس بالكلام، ولا من خلال عملية، بل من خلال نهاية حاسمة للصراع وبداية جديدة للسلام، السلام الذي يتأتى من قيام دولة حقيقية واعتراف بحقوق الفلسطينيين والسماح للناس بأن يتطلعوا للمستقبل بكرامة وأمل، وسلام يحقق الأمن للإسرائيليين ويخلصهم من عقلية القلعة، ويمنحهم القبول في المنطقة وفي العالم.

أيها الأصدقاء،
يجتمع الرجال والنساء في كل مكان على اهتمامات أساسية: تحقيق حياة أفضل لأنفسهم وعائلاتهم، والشعور بالأمان وهم يخططون للمستقبل وأن يكون صوتهم مسموعا بشأن كيفية تنظيم المجتمع، وهي حقوق يريدونها مكفولة موثوقة. هذه الآمال بالنسبة للكثيرين لم تلق مجيبا، لكن علينا التذكر أن حقبة جديدة قد بدأت في منطقتي، تصاحبها فرص للمضي قدما نحو الديمقراطية والأمن والسلام.

وشكرا جزيلا.