خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في اجتماعات الدورة السابعة عشر لمجمع الفقه الإسلامي

خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في اجتماعات الدورة السابعة عشر لمجمع الفقه الإسلامي

الأردنعمان
24 حزيران/يونيو 2006
ألقى الخطاب نيابة عن جلالته سمو الأمير غازي بن محمد، المستشار الخاص والمبعوث الشخصي لجلالة الملك

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، النبي العربي الهاشمي الأمين، وعلى آل بيته الطاهرين، وصحبه الميامين.

أصحاب السماحة والفضيلة والمعالي،

علماء الأمة وفقهاءها الأجلاء،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،

فإنه ليسرني أن أرحب بكم في عمّان، عاصمة بلدكم الثاني، المملكة الأردنية الهاشمية، أجمل الترحيب، سائلاً المولى عز وجل، أن يوفقكم في أعمال هذه الدورة، السابعة عشرة، التي يعقدها مجمعكم الموقر في فترة حرجة من تاريخ أمتنا، وهي تتعرض لتحديات تهدد وجودها وهويتها وحضارتها، مما يحمّل علماء الأمة وفقهاءها، مسؤولية إضافية كبيرة.

وقد تأسس مجمعكم العتيد هذا قبل أكثر من ثلاثة وعشرين عاما،ً ليكون مؤسسة إسلامية فقهية عالمية تمثل علماء الأمة وفقهاءها، وتسعى لتحقيق أهداف كبيرة في مقدمتها التأكيد على وحدة الأمة الإسلامية وتمسكها بعقيدتها ودراسة مشكلات الحياة المعاصرة والاجتهاد فيها لتقديم الحلول النابعة من الشريعة الإسلامية، باعتبارها المرجعية الفقهية العليا للأمة.

وقد أولى مؤتمر القمة الإسلامي الاستثنائي الثالث، الذي عقد في مكة المكرمة أواخر العام الماضي، مجمع الفقه الإسلامي اهتماما بالغا،ً حيث دعاه إلى مواجهة التطرف الديني والتعصب المذهبي، وإلى التأكيد على عدم تكفير أتباع المذاهب الإسلامية، وعلى أهمية الحوار بين أتباع هذه المذاهب، وعلى الالتزام بالاعتدال والوسطية والتسامح، والتصدي للفتاوى التي تخرج المسلمين عن قواعد الدين وثوابته وما استقر من مذاهبه، وعلى ضرورة التنسيق بين جهات الفتوى في العالم الإسلامي.

وقد كنا في المملكة الأردنية الهاشمية، بفضل الله، من السبّاقين إلى الاهتمام بحوار المذاهب الإسلامية. وقامت مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي بجهود كبيرة في هذا المجال. وكان لجهودها الطيبة آثار إيجابية في التقريب بين أتباع المذاهب الإسلامية وتعزيز التعاون والتكامل بينهم.

وانطلاقا من شعورنا بالمسؤولية، والواجب الذي يفرضه علينا شرف الانتساب إلى آل البيت وإلى رسول الله سيدنا محمد، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، فقد قمنا بإصدار رسالة عمّان، التي تبين للعالم الصورة المشرقة لهذا الدين، والتي ترد على كل حملات التشويه والإساءة التي يتعرض إليها بسبب الجهل أو الحقد أو الممارسات الخاطئة التي يرتكبها بعض الناس بإسم الإسلام.

ثم قمنا بدعوة علماء الأمة وفقهائها للاجتماع على ما حملته رسالة عمّان من مبادئ وقواعد تمثل حقيقة الإسلام، فكان انعقاد المؤتمر الإسلامي الدولي في عمّان في تموز من العام الماضي تحت عنوان حقيقة الإسلام ودوره في المجتمع المعاصر والذي حضره أكثر من (170) عالماً من مختلف المذاهب الإسلاميّة.

وقد أقرَّ العلماء وأجمعوا في التوصيات الختامية بعد الاستماع إلى أكثر من عشرين فتوى من عدد من المرجعيات الفقهية في العالم الإسلامي على احترام إسلام أتباع جميع المذاهب الإسلامية الثمانية، وعلى تحريم دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم وعلى وضع شروط ومؤهلات للإفتاء وعلى عدم جواز تكفير أي من أتباع المذاهب الإسلامية.

ونحن نرى أن في هذه القرارات والتوصيات التي أجمع عليها علماء الأمة وفقهاؤها حلاً جامعاً وشاملاً للكثير مما يجري في بلادنا، من محاولات لتفتيت وحدة الأمة وإشعال نار الفتنة بين أتباع المذاهب والصراع الطائفي أو العرقي. وإن من واجبكم وأنتم علماء الأمة وفقهاؤها اعتماد هذه المبادئ ونشرها لأن نجاح الحلول السياسية في العراق مرهونة بنجاح الحل الديني الجامع الشامل والقائم على ما ورد في المؤتمر الإسلامي الدولي الذي عقد في عمّان، على أساس تعظيم الجوامع والالتقاء على الأصول والثوابت، واحترام الفروق القائمة في الفروع والجزئيات.

ومن هنا كانت دعوتنا لمؤتمر القيادات الدينية في العراق، والذي حالت ظروف قاهرة دون انعقاده، بعد أن اكتملت التحضيرات ووصل معظم المشاركين فيه إلى عمّان.

إننا نعتقد جازمين أن ما شغلنا من همّ سوف يشغلكم، فأنتم في عمّان قريبون من الهمّ العراقي شرقاً حيث يعاني الشعب العراقي أشد المعاناة وقريبون من الهمّ الفلسطيني غرباً، حيث المسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، يرزح تحت الاحتلال.

ونحن على ثقة أن قراراتكم وفتاواكم ستصب في خانة وحدة الأمة وتحقيق نهضتها، فهذا واجبكم تجاه دينكم وأمتكم الإسلامية، وهذه هي الغاية الرئيسية من تأسيس مجمعكم العتيد.

أيها العلماء الأفاضل،

إن إزالة أسباب الفرقة بين أبناء الدين الواحد والأمة الواحدة هي الشرط الأول لحمايتها وتوحيد كلمتها، وإلا فمن غير المعقول أن نطالب بتضامن المسلمين وتعاونهم، دولاً وشعوبا، على أساس أننا أمة واحدة. وإذا كان بيننا من يكفّر أتباع أحد مذاهبنا المعتمدة، وإذا كان هناك جرأةٌ على الفتوى، واستحلال دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم باسم الإسلام، فلا بد من التصدي لكل هذه الأمور التي تفرق الأمة وتسيئ إلى ديننا الحنيف.

يقول الله تعالى:

"واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا" (آل عمران: 103)

ويقول سبحانه وتعالى:

"إنما المؤمنون أخوة، فأصلحوا بين أخويكم، واتقوا الله لعلكم تُرحمون"(الحجرات:10)

وتعلمون يا أصحاب السماحة والفضيلة والمعالي ما وقع في عاصمة بلدكم الأردن من أعمال إرهابية، وما يقع في العديد من البلدان من مثل هذه الأعمال التي تسيئ إلى الإسلام وتستعدي العالم على المسلمين، مما يدعونا جميعاً إلى التحرك والعمل المخلص الجاد لاجتثاث الإرهاب وتعرية هذا الفكر التكفيري الضال من قبل أكثر من جهة، وكشف إنحرافه عن منهج الدين وقواعد الشريعة. ونحن كلنا مطالبون ببذل كل الجهود لوضع الحلول الشاملة لكل المشاكل والتحديات التي تواجهها أمتنا الإسلامية.

ومرّة ثانية أكرر الترحيب بكم، وأسأل المولى عز وجل، أن يوفقنا جميعاً لخدمة ديننا وأمتنا، إنه نعم المولى ونعم النصير.

"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"(التوبة: 105)

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته