خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في الملتقى الألماني السابع للتجارة الخارجية 2007

خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في الملتقى الألماني السابع للتجارة الخارجية 2007

ألمانيابريمن
13 تشرين الثاني/نوفمبر 2007

بسم الله الرحمن الرحيم

ايها السيدات والسادة،

أشكركم ويسرني أن أكون بينكم اليوم في مدينة بريمن. ويسعدني كذلك أن أعود إلى ألمانيا للقاء الأصدقاء، القدماء منهم والجدد. إنني أتحدث نيابة عن جميع الأردنيين عندما أقول أن بلدكم واحد من أقرب الأصدقاء إلى قلوبنا بما يمثله من صوت قيادي في أوروبا وشريك في عالم الأعمال العالمية والدبلوماسية.

ومما يعتبر حيوياً وأساسياً لهذه الشراكة - وفي الواقع، حيوياً وأساسياً لنظرتنا لمنطقتينا بصورة إجمالية - هي تلك القضايا والمصالح التجارية التي يتم مناقشتها في هذا الملتقى. ولذا، فإنني أشعر بالكثير من الاعتزاز لدعوتي هنا والمساهمة في افتتاح هذا الحدث الهام.

أصدقائي،

إننا نجتمع في وقت تتقلص فيه المسافات العالمية بسرعة مع اتساع رقعة المستقبل العالمي حيث لم تتح من قبل فرص أعظم للتقدم كما هي متاحة الآن. ولم يكن الاقتصاد العالمي أكثر قدرة على منح الأمل لأعداد كبيرة من الناس من قدرته حالياً.

إن القطاع الخاص يعتبر مركزياً لعمليات التقدم ولفتح نوافذ الأمل في أيامنا هذه حيث لم تقتصر عملية دفع النمو العالمي قُدُماً على الشركات الكبيرة فحسب، بل شاركت فيها أيضاً منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وشارك فيها أصحاب المشروعات الذين يمتلكون الرؤية. ومن خلال قيامكم بفتح أسواق جديدة، والإبداع والتفكير فيما سيتحقق قبل أن يتحقق، ومن خلال بناء الفرص، تمكنتم من إعادة تشكيل مستقبل بلايين الناس.

إن هذا التدفق في التجارة والاستثمار الذي يعمل على بناء الثروات أساسي وهام للاقتصاديات الصاعدة - وخاصة للاقتصادات التي تسعى إلى تحقيق تقدُّم مُستدام. ولكن التجارة والاستثمار يَحْظيان بذات الدرجة من الاهتمام للازدهار المستقر لاقتصادات الدول المتقدمة. والتحدّي الماثل أمامنا اليوم هو أن نتفهّم هذا الرابط، وأن نقوم معاً بانتهاز الفرص المُتاحة أمامنا.

إن هذه القاعة تجمع العديد ممن يحرّكون الاقتصاد العالمي وممن يتخذون القرارات حول مكان وتوقيت وكيفية عمل التجارة والاستثمار وإقامة الشراكات عبر الحدود. والعديد منكم يعرف بصورة أولية ومباشرة ما يؤكده لنا الخبراء وهو أن ممارسة الأعمال التجارية والاستثمارية في الاقتصادات الصاعدة يفيد كلا الطرفين.

وبالنسبة للشركات الأجنبية التي تدخل الأسواق الصاعدة، فهناك ارتباطات ذات قيمة كبيرة تستفيد منها هذه الشركات، بحيث تربطها بالأسواق داخل البلد الذي تدخل إليه وبالشبكات التجارية الإقليمية؛ وبقوة عمل تنافسية؛ وبمعرفة هامة حول الثقافات الإقليمية والمستهلكين في المنطقة. ومثل هذه الأعمال ستجد فرصاً تجارية واستثمارية هامّة، وخاصة في العديد من الاقتصاديات مثل الاقتصاد الأردني، التي تسير على طريق التحديث والنّمو... والتي تعتبر بوابات عبور إقليمية... وفي حالتنا نحن تكون بوّابات عبور إلى 300 مليون إنسان هم سكان العالم العربي. أما في الميدان الاستراتيجي، فإن ممارسة الأعمال التجارية والاستثمارية في الأسواق الصاعدة يساعد على خلق توازن مضاد لتقلّبات السوق وتباطؤه في أماكن أخرى. وهذا يسهم في إضفاء الحيوية والاستقرار إلى الاقتصاد العالمي، وهذا ما نسعى جميعاً إلى تحقيقه.

إن النمو الذي يقوده القطاع الخاص يمثل بالنسبة للاقتصادات الصاعدة، بكل بساطة، آلة التنمية المُستدامة. فالتكامل الاقتصادي العالمي يوسع الأسواق، ويشجع على نقل المعرفة والتكنولوجيا، ويزيد الفرص المتاحة. وهذا يتطلب كذلك سياسات مالية ونقدية سليمة، وقرارات صعبة، والتزاماً طويل المدى نحو الإصلاح الهيكلي، وحكم القانون، والكثير من الأمور.

ولقد اثبتت التجربة في الحقيقة ان نفس النشاط الاقتصادي الذي يضع الدول النامية على سلم الصعود إلى الازدهار يساعد أيضاً على الحيلولة دون تقهقرها إلى الوراء. ولذلك، فالحفاظ على مكاسبنا هدف رئيسي من أهداف مجموعة الدول الإحدى عشرة. ومجموعتنا تتكون من إحدى عشرة دولة من ذوات الدخل المتدني - المتوسط - من أمريكا اللاتينية إلى أوروبا الشرقية إلى الشرق الأوسط وآسيا، والتي برهنت على التزامها بالإصلاح والتنمية المستندة إلى النمو. وقد حققنا نتائج ملموسة ونعمل بتوازن على التقدم إلى الأمام وعلى الثبات عند مستويات دخل أعلى. وأعتقد أن هذا النجاح سيرسل إشارات هامة إلى جميع الدول النامية بأن الالتزام بالإصلاح والتعاون العالمي هو الاتجاه الصحيح الذي يجب سلوكه.

إن الدول الرئيسية الرائدة لديها مصالح استراتيجية في نجاحنا، ولديها القدرة على مساعدتنا، في آن واحد. ويعني هذا أن نتجاوز الصيغ القديمة للمساعدات، بحيث يتم التركيز حيثما كانت الفائدة في أقصى درجاتها. وهنا أعني التركيز على إبقاء الأبواب مفتوحة أمام التقدم والنمو. وقد طلبنا من مجموعة الدول الصناعية الثماني أن يكون بيننا تعاون وثيق في المصالح المشتركة مثل إمكانية الوصول إلى الأسواق والشراكات التنموية والاستثمار. وقد رحّبت ألمانيا، بصفتها الرئيس الدوري لمجموعة الدول الثماني، بهذا الحوار.

وغداً، سأنضم إلى المستشارة ميركل لعقد أول اجتماع قمة لمجموعتينا. وستكون إحدى نقاط التركيز الرئيسية إيجاد آليات لتشجيع النمو الذي يقوده القطاع الخاص. وأنا على ثقة بأن الشراكة بين مجموعة الدول الإحدى عشرة ومجموعة الدول الثماني ستنمو لمصلحة الطرفين.

أصدقائي،

ليس هناك من مكان يضاهي الشرق الأوسط في إبرازه لأهمية دور التجارة والاستثمار اللذين ينهض بهما القطاع الخاص. فمنطقتي ينبوع لا ينضب للموارد والقدرات التي يحتاجها العالم، كما أنها مركز استراتيجي للثقافات. ولكن هناك تحديات اقتصادية رئيسية يجب مواجهتها حيث عملت النزاعات الإقليمية على تأخير وتدمير مستقبل الملايين وشتتت المصادر والتركيز على التنمية. وهناك مستويات غير مقبولة من البطالة والمشقة تزيد من اشتعال نار الإحباط. ويساورني القلق بصورة خاصة في هذا الأمر عندما يتعلق الأمر بجيل الشباب المتنامي في المنطقة فهؤلاء فتية وفتيات يتمتعون بالمواهب ولديهم إمكانيات كبيرة ويتوقعون الحصول على الفرص لبناء مستقبل إيجابي يظلله الرخاء والازدهار.

إن العالم العربي اليوم يتبين بوضوح إسهامات القطاع الخاص في إيجاد مستقبل أفضل، ويقر بها. وقد عمل قادة المنطقة - من القطاع الخاص، والمجتمع المدني، والمسؤولين الحكوميين - معاً لتصميم وسائل إبداعية لتحقيق التنمية. وأشعر بالاعتزاز لقيام الأردن بدور نشط في هذا المنحى.

لقد كان لنا وما زال صوت قوي في داخل المنطقة لا من أجل السلام فحسب، ولكن من أجل اليوم الذي يلي إحلال السلام أيضاً. وقد شجعنا قيام الشراكات بين القطاعين العام والخاص التي يمكن أن تخلق إطاراً اقتصادياً لإتاحة الفرص الجديدة وتحقيق التعاون الذي يتجاوز الحدود.

وفي وطننا، لم ننتظر حدوث أحداث خارجية لتشكيل مستقبلنا. فقد قمنا بإصلاحات هيكلية عميقة - اقتصادية، وسياسية، واجتماعية - لإعطاء الناس مستقبلاً أفضل، وإتاحة الفرصة لهم كي يصبحوا شركاء في التقدم. وبنينا على ما يحظى به الأردن من استقرار وأمن لنجعل من بلدنا مَعْبراً إقليمياً وعالمياً. فالمناطق الاقتصادية الخاصة، والعديد من اتفاقيات التجارة الحرة التي عقدناها، تتيح لمنشآت الأعمال القائمة في الأردن إيجاد أسواق لمنتجاتها في أرجاء العالم.

إن هذه الإصلاحات وغيرها حققت نتائج ملموسة. ولكننا لا نستطيع أن ننهض بالمهمة وحدنا. وشركاؤنا العالميون يقومون بدور رئيسي في التقدم. ومن الضروري أن تستمر هذه الشراكة، لا مع الأردن وحده فحسب بل مع المنطقة بأجمعها أيضاً. والاتفاقية الأورومتوسطية تقر بوجود هذه الروابط، كما تقر بالدور المركزي للقطاع الخاص في التنمية. وقد قدمت ألمانيا أيضاً، دعماً نشطاً طويل المدى.

وقبل عامين، أسسنا الجامعة الألمانية - الأردنية، وهي مؤسسة إقليمية فريدة تركز بقوة على المعرفة الفنية التي تتوجه للسوق. وستشكل جزءًا من نهجنا المشترك ونحن نسير قدماً في شراكتنا لخلق فرص جديدة للتنمية المستدامة.

وآمل أن تشاركوا في الحوار حول إسهامات القطاع الخاص في التنمية. وآمل أن تسعوا معنا إلى إيجاد آليات جديدة للشراكات بين القطاعين العام والخاص. وكلي أمل بأنكم ستقدمون المساعدة لتطوير الإمكانات الهائلة للمزيد من التجارة والاستثمار بين منطقتينا. وفي هذا المجال، فإنني أدعو الذين لا يعملون منكم حالياً في الشرق الأوسط للمجيء إلى المنطقة واستكشاف إمكاناتها.

أصدقائي،

إن باستطاعة القطاع الخاص في العالم أن يعمل على إحداث التقدم. ولديكم الفرصة لبناء اقتصاد عالمي يتسم بالرخاء، وبناء ازدهار يبقى على الزمن، وتشكيل مستقبل جديد مثلما شكلتم الماضي.

إنها فرصة علينا اغتنامها. فالشراكة بيننا يمكن أن تغيّر حياة الملايين من الناس. وبالعمل معاً، يمكننا تحقيق النجاح.

وأشكركم شكراً جزيلاً.