خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في حفل العشاء السنوي لمبادرة كلينتون العالمية

خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في حفل العشاء السنوي لمبادرة كلينتون العالمية

الولايات المتحدة الأميركيةنيويورك
21 أيلول/سبتمبر 2006

بسم الله الرحمن الرحيم،

الرئيس كلينتون،

أصدقائي،

أشكركم جميعاً على ترحيبكم الحارّ، ويسعدني أن أكون معكم هذا المساء. ويشرّفنا، رانيا وأنا، أن نشارك ثانيةً في هذا التجمّع العالمي المرموق.

واسمحوا لي أن أنتهز هذه المناسبة لأقدم للرئيس كلينتون أطيب الأماني بمناسبة بلوغه عيد ميلاده الستين.

ففي ذلك الجزء من العالم الذي أنتمي إليه، هناك قول قديم بأن الشعر الأشيب هو شعلة الحكمة المتقدة.

وإذا كان هذا هو واقع الحال، فإن حكمتك، أيها الرئيس كلنتون، تضيء العالم.

إننا مدينون لمبادرة كلينتون العالمية التي تحتفل بعامها الثاني اليوم. فاسمها، في حدّ ذاته، يسلّط التركيز على منحيين رئيسيين للقيادة في أيامنا هذه.

أولهما هو المبادرة: ومفادها الإرادة للقيام بالخطوات الأولى، التي غالباً ما تكون صعبة. والتحرّك بطريقة تتجاوز أزمات أيامنا هذه ومعيقاتها، والمبادرة بالتغيير الإيجابي والعمل بجرأة.

والثاني هو السياق العالمي المتمثل بالإقرار بأننا مثلما نشترك في المستقبل، فإننا نشترك في الحق والمسؤولية لتشكيل ذلك المستقبل.

يجتمع في هذه القاعة قادة من كل القارّات. وكل منّا عليه واجب خدمة شعبه ولديه رغبة عميقة في ذلك - مثلما أسعى لخدمة الأردن والأمة العربية. ولكن، وفي أيامنا هذه، فإن جزءًا هاماً وأساسياً من واجبنا تجاه بلداننا هو أن نتواصل مع الآخرين عن طريق التعاون الدولي والاحترام.

إن الحقيقة الماثلة هي أن عَالَم القرن الحادي والعشرين لديه إمكانية توفير حياةٍ أفضل لبلايين الناس. والأدوات والمعرفة موجودة للوصول إلى الاقتصاديات والمجتمعات النامية وتوسيع دائرة الرفاه بصورة ملحوظة. وستكون تلك عملية رابحة لجميع الأطراف.

ولكي ننجح، علينا أن ننقل حوارنا إلى مستوى جديد، مستوى الفعل. فالناس، وخاصة الشباب منهم، بحاجة إلى أن يروا نتائج ملموسة. وهناك ثلاثة مجالات رئيسية تحتاج إلى عنايتنا بصورة مُلحّة: التنمية، والتفاهم العالمي، وفض النزاع. وأرغب الليلة في أن أتحدّث بكلمات موجزة عن كل واحدٍ منها.

إن التنمية المستدامة دائرة خيره: فهي تخلق الاستقرار والنمو الاقتصاديين، وتستفيد منهما. والبَدْء في هذه الدائرة يتطلب تعاوناً دولياً، وفي أحيان كثيرة خيارات صعبة. وعلى الدول المتقدمة أن تختار الالتزام بالقضية الأساسية وهي الإعفاء من الديون ... وزيادة المساعدات المباشرة ... وبالسياسات التجارية الأكثر عدلا. وعلينا في العالم النامي أن نختار الحاكمية الرشيدة والسياسات الاقتصادية السليمة.

وكل هذا يشير إلى أهمية وجود إطار للتنمية العالمية أيضاً، إطار من الشراكات. وهذا يقودني إلى المجال الثاني الذي يحتاج إلى عنايتنا بصورة مُلحّة وهو الحاجة إلى التفاهم والاحترام العالميين.

إن الغالبية العظمى من الناس في أرجاء العالم ترفض التطرّف. ولكن هناك المزيد مما يجب القيام به لمحاربة الصور النمطية والافتقار إلى الاحترام. وهذا يعني أن نعلّم شباننا الروابط المشتركة لأدياننا وحضاراتنا.

إن مثل هذه الجهود تأخذ مجراها حالياً عبر العالم الإسلامي. وقد أطلق الأردن، قبل حوالي عامين، رسالة عمّان. وهي تعرض القيم الإسلامية في التسامح والتعاطف واحترام الآخرين، وتوضحها.

لكن الطريق إلى الاعتدال والتفاهم ليست لنا وحدنا. فعلى جميع الأديان وجميع الثقافات مسؤولية العمل على دفع الاحترام العالمي الذي يعتمد عليه مستقبلنا.

أصدقائي،

في عملية بناء الثقة، فإن الحوار - مهما كانت أهميته - لا يشكّل بديلاً عن العمل. علينا أن نفي بالتزامنا بالعدالة والسلام. وهذا يقودني إلى موضوع فض النزاع. وليس هناك منطقة تتبّدى فيها أهمية هذا الأمر بصورة أكبر مما هي عليه في منطقتي، الشرق الأوسط.

الرئيس كلينتون، لقد قلت مرة إن الطريق إلى السلام ليست أسهل من الطريق إلى الحرب، وهي من مناحي عديدة أصعب من الطريق إلى الحرب. ومع ذلك، فإن الطريق إلى السلام كان طريقاً سلكته أنت ووالدي الملك الحسين، وهو الطريق الذي علينا أن نسلكه اليوم. إن استمرار النزاع مدمّر لمستقبل المنطقة. وقد أظهرت الأزمات الأخيرة مدى الحاجة لإنهاء العنف والدمار. لقد حان الوقت لإيجاد حلّ دائم وعادل، حلّ يعالج المشكلة الجوهرية وهي النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي.

إن مبادرة السلام العربية، التي أطلقت في العام 2002، توفر أساساً فاعلا للسلام. والآن، وكمجتمع دولي، نحتاج إلى أن نبني شراكة عمل، وأن نشجّع وندعم العودة إلى المفاوضات ونعمل على إبقاء الأطراف في حركة مستمرة لتحقيق النتائج. وعلينا أن ننهض الآن للعمل. فكل يوم تأخير يعني خسارة أكبر في الأرواح وتدمير أكثر للمستقبل.

أصدقائي،

إن التحدّيات العالمية حقيقية، ولكن أنتم، أصحاب الإنجازات، تعرفون أكثر من غيركم أنه يمكننا تحقيق ما نتصوره. ومعاً، هنا، يمكنكم إيجاد رؤية عالمية: عالم من السلام الحقيقي، يشترك فيه الجميع في وعد هذا القرن. ومن خلال الشراكة، أعتقد أننا سنحقق النجاح.

أشكركم جزيل الشكر.