خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في منتدى العمل العربي والأمريكي

خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في منتدى العمل العربي والأمريكي

الولايات المتحدة الأميركيةنيويورك
19 أيلول/سبتمبر 2006

بسم الله الرحمن الرحيم

شكراً لكما، سعيد وديفيد‏. وأشكركم جميعاً على ترحيبكم الحار. إن سعادتي غامرة بوجودي هنا. فالقادة العرب الشبّان يؤثّرون بشكل رئيسي في أرجاء منطقتنا، وفي ما يتعدّاها. لقد ساعد عملكم وقيادتكم على تشكيل أخلاقية عملٍ جديدة: تتطلع إلى الأمام، وتصمم على تطوير نقاط قوتنا، وتشارك بصورة تامة في التقدّم العالمي. وإنجازاتكم مدعاة للاعتزاز العظيم ... والأمل الكبير.

كما نرحّب بشراكة العديد من أصدقائنا الأمريكيين، وخاصة أولئك الذين هم معنا هنا اليوم. لقد مكنت مبادرة كلينتون العالمية من إقامة علاقات هامة جديدة، وهي ترعى القيادة - على جانبي المحيط الأطلسي- التي تستطيع أن تمضي بنا إلى الإمام. واسمحوا لي أن أذكر بالتقدير بصورة خاصة منظمة القادة العرب الشبّان، تحت القيادة القديرة لسعيد، والتي استطاعت فتح الطريق إلى وجه جديد للقيادة في مجال الأعمال؛ وجهٍ جديد واعٍ عالمياً ومسؤول عالمياً في آن معاً.

إن هذا المنتدى يعقد في فترة دقيقة خطرة. فقد أظهرت الأزمات الأخيرة انقطاعاً مقلقاً بين شعوب العالم ومناطقه. وأنا اسمع شباناً وشابات من العرب يتساءلون عمّا إذا كانت أمريكا تصغي إليهم. ومظاهر الفُرْقة هذه تعتبر أَنباءً سيّئة لنا جميعاً. لأنه في هذا القرن، لا يمكن تحقيق الازدهار والسلام في نطاق العزلة، أو الفوز بهما بالقوّة؛ إنهما نتاج توافر شرطين فقط: التعاون العالمي والاحترام المتبادل.

وهذا يعني في الشرق الأوسط إيصال الرسالة المتمثلة في أن السلام الإقليمي والسلام العالمي هما الوسيلة الوحيدة لتحقيق الحياة الأفضل التي يريدها الناس والتي هم جديرون بها. وخارج المنطقة، هناك حاجة لإسماع الرسالة المتمثلة في أن المستقبل الأفضل يعتمد على الشراكات العالمية- والأمة العربية هي شريكتكم، في السلام والتقدّم كليهما.

وتظل الحقيقة الماثلة أنه بالرغم مما يثقل كاهل العالم العربي بسبب النزاعات الإقليمية، فإنه يمضي قُدُماً وهو يحمل رؤية للمستقبل. وقد سخّر القطاع الخاص مواهبه وطاقاته لتوسيع توافر الفرص وتسريع النموّ الاقتصادي. والمهنيّون العرب الشبّان يوجّهون مسيرة الإبداع ويعملون على تحقيق الأداء الجيّد في المنظمات الأهلية وفي الأنظمة التعليمية والصحية. وقد تعاونت قيادات القطاع الخاص في إطلاق مبادرات هامة على مستوى المنطقة لتعزيز المجتمع المدني. وفي الأردن، وفي غيره من البلدان، هناك التزام جدّي بالحاكمية الرشيدة والإصلاح.

إن مثل هذا الجهد يقدّم إسهاماً مباشراً واضحاً للتنمية. ولكنه يقوم بما هو أكثر من هذا. فهو يُلْهم الناس في مختلف قطاعات المجتمع ويفتّح عقولهم حول قوّة العمل الإيجابي. فعندما تبني شركة كبيرة المكتبات في المجتمعات التي مسّها الفقر... وعندما يعمل خبراء التكنولوجيا الأردنيون مع شركائهم العالميين في الشركات الكبرى لوضع أجهزة الكومبيوتر (الحاسوب) في غرف الصفوف المدرسية وتوسيع إمكانية وصول الطلاب إلى الإنترنت... وعندما تلتزم مؤسسات القطاع الخاص الرئيسية ببناء مشاريع إسكان للمعلمين: فإنهم لا يقومون بالاستثمار في المستقبل وحسب. إنهم يصبحون أيضاً نماذج تُحْتَذى من قِبَل شبابنا؛ نماذج تُحْتَذى في المسؤولية المدنية، والأمل.

ليس هناك من شكّ في أن الشرق الأوسط يواجه تحدّيات هائلة ومُلحّة في آن معاً. والقطاع الخاص مفتاح لهذا. فنحن نحتاج إلى ما يقارب خمسين مليون وظيفة جديدة على مدى السنوات الخمس القادمة؛ وبحلول عام 2020 ، فإن مستوى التوظيف القائم اليوم يجب أن يتضاعف. ولا نستطيع تحمّل أوزار دائرة متواصلة من العنف، واستنزاف الموارد التي نحتاج إليها لأولويات مثل التعليم، والصحة، والبنى التحتية. وعلينا أن نلبّي توقعات الناس لتحقيق الديمقراطية، وتوفير الفرص، وتأمين نوعية حياةٍ أفضل.

إن مثل هذه الجهود يجب أن تكون نابعة من داخل مجتمعنا. والقادة العرب الشبّان يقومون فعلاً بدفع المسيرة إلى الأمام. ولكن لشركائنا الأمريكيين والشركاء العالميين الآخرين دورا هاما عالميا آخر. فالعديد منكم عمل مع أفراد شعبنا، وزار الشرق الأوسط، واختبر ثقافتنا وتراثنا. وسمعتم رسالة عمان والمبادرات الأخرى التي تعرض قيم الإسلام الاجتماعية التي نلتزم بها، وتوضحها: قيم احترام الآخرين؛ والعدالة الاجتماعية؛ والسلام.

أصدقائي،

إن الأزمات الأخيرة، وخاصة الأزمة في لبنان، تصيح بأعلى صوت لتنبهنا حول الحاجة المُلحّة لوجود شراكة أفضل بيننا، وخاصة من أجل السلام. والدليل واضح للعيان: فالحلول المجزّأة أحادية الجانب، لا يُكتب لها النجاح. ولن يتمكن أيّ منا من أن يمضي قُدُماً حتى يكون هناك حلّ شامل للمشكلة الرئيسية الأساسية في المنطقة. يجب أن يتمكن الفلسطينيون من تشكيل مستقبل ملؤه الأمل، في دولة فلسطينية قابلة للحياة ذات سيادة. ويجب أن تكون إسرائيل جزءًا من الجوار، تعقد راية السلام مع الجميع.

في عام 2002، كسرت الدولُ العربية الدائرةَ القديمة بعرض للسلام اعتُبر مَعْلماً وحدثاً بارزين. فقد وعدَ بتوفير ضمانات الأمن لإسرائيل للعيش بسلامٍ مع جيرانها... ودولة فلسطين المستقلة ذات السيادة، القابلة للحياة، ... وبإطلاق عمليةٍ تؤدي إلى تحقيق تسوية شاملة.

لقد كان هذا العمل العربي فَتْحاً غير مَسْبوق. إذ أرسى الأرضية اللازمة لإجراءات مُحددة للوصول إلى نهاية للنزاع. وهو يدعم الحل القائم على وجود دولتين، والذي يشكّل الأساس الوحيد للسلام الدائم.وعلينا التحرك بسرعة، قبل أن يحيق الدمار بالمزيد من الشبّان، وبالمزيد من الآمال الشابّة.

أصدقائي،

بإمكاننا أن نُحْدِث فرقاً. إن رؤيتكم وقيادتكم ستحدث فَرْقاً هاماً ذا شأن. وعلى مدى الأيام القليلة القادمة، ستنظرون في مبادرات القطاع الخاص الجديدة التي يمكن أن تدفع التقدّم والسلام إلى الأمام. إن عملكم يمكن أن يوُجِد نمطاً للنجاح، لا لأجيال المستقبل فحسب، بل ولمجتمعات اليوم أيضاً.

في تشرين الثاني/ نوفمبر، ستجتمع مجموعة القادة الشبّان العرب في الأردن. أرحّب بكم جميعاً، وأتطلع إلى ما سيصدر من تقارير عن عملكم هنا في نيويورك.

وإلى أصدقائنا الأمريكيين، أقول: انضموا إلينا. فبوجود الإرادة الجماعية للعمل، يمكن لشراكتنا أن تبني مستقبلاً مفيداً لنا جميعاً.

وأشكركم شكراً جزيلاً.