كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني أمام نادي شيكاغو الاقتصادي

كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني أمام نادي شيكاغو الاقتصادي

الولايات المتحدة الأميركيةشيكاغو
11 حزيران/يونيو 2004
(مترجم عن الإنجليزية)

حضرات الضيوف الأكارم
حضرات السيدات والسادة

أشكركم جميعاً على استقبالكم الحار، وأشكرك يا "ليستر" على هذا التقديم اللطيف. يسعدني أن أكون هنا في شيكاغو. فهذه المدينة بالنسبة لي وللكثيرين من الناس في كل أرجاء العالم، واحدة من المدن العظيمة - مركز عالمي للأفكار، وللأعمال، وللابتكار وللتواصل. إن تنوعها الغني يظهر قوة المجتمع المنفتح، وجامعاتها العظيمة تعلّم قيمة المنطق والحوار.

وفرق البيسبول في المدينة.. أجل .. فرق البيسبول.. تثبت روح الأمل الراسخة لدى الانسان.

إنه لشرف من نوع خاص أن أنضم إليكم جميعاً مساء هذا اليوم. فنادي شيكاغو الاقتصادي ومجلس شيكاغو للعلاقات الخارجية يحظيان بالاحترام في كل أرجاء العالم. وقد ساعد أعضاء الناديين في تأسيس منتدى عالمي يتناول أكثر قضايا عصرنا إلحاحاً: اشراك الناس في مجتمعهم والسلام والرخاء.

هذا الحوار مهم للقرن الحادي والعشرين - فهو مهم لأن الدول اليوم، صغيرة كانت ام كبيرة، غنية ام فقيرة، تؤثر في تحديد الوجهة التي يتجه إليها نظامنا العالمي. وكما تؤثر تصرفات الناس في الأحداث، فكذلك تفعل أفكارهم وتطلعاتهم وعلاقاتهم.

إننا لا نستطيع احتمال سوء الفهم والرفض، علينا أن نتواصل فيما بيننا باحترام واضح. فكروا في عالمنا كمحيط يزخر بتيارات سياسية واقتصادية متعددة ومتقاطعة، مع عواصف متقطعة. إن الملاحة في هذه البيئة تتطلب اتصالاً جيداً. وهذا أمر ذو أهمية خاصة عندما يتعلق بمستقبل الشرق الأوسط.

وكما قد يعرف بعضكم، فقد جئت للتو من اجتماعات مجموعة الثمانية في "سي أيلاند". وبالنسبة لمن يبذلون منا قصارى جهدهم لتحقيق التحديث والإصلاح في الشرق الأوسط، فقد كانت هذه فرصة لتوضيح أهدافنا والتغير في منطقتنا. اما بالنسبة لدول مجموعة الثماني، كانت هذه فرصة لاستكشاف طرق جديدة لدعم هذه الجهود الإيجابية، التي لن تكون مفيدة للشرق الأوسط فقط بل للنظام العالمي بأسره.

يسعدني أن أخبركم أن اجتماعاتنا كانت مثمرة جداً وذات نتائج جيدة. وأعتقد أننا أرسينا أساساً لشراكة جديدة من أجل التقدم، شراكة سوف تدعم السلام والتنمية والاستقرار في الشرق الأوسط.

إن الإصلاح عنصر أساسي لمستقبل منطقتنا. وأود أن أقول بعض الكلمات حول ذلك. إن معظم العرب يتفقون اليوم على أن الإصلاح أمر حيوي. كما يتفق العرب على أنه حتى ينجح الإصلاح فإنه يتوجب أن ينبثق من داخل مجتمعاتنا. وقد ظهرت قيادات تتبنى عملية الإصلاح لدعم الحرية والتسامح، وتؤيد الشفافية والتفاعل والمساءلة في الحكم، والمجتمع المدني الذي تحترم فيه حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين وسيادة القانون.

واضيف أن هذه هي أعمق قيم الإسلام. إنها القيم التاريخية التي قادت منذ القدم الروح الإنسانية للعالم العربي والتطور الرائد لمجتمعه المدني. إنها القيم التي تجعل اليوم ملايين المسلمين مواطنين رائعين هنا في أميركا وفي كل أنحاء العالم. والحقيقة إن القيم الجوهرية للإسلام تشكل ملامح أساسية للديمقراطية الصحية والمستقرة في كل مكان؛ فالكرامة المتساوية للجميع واحترام العقل والقانون، والتسامح والمسؤولية الشخصية، هذه المبادئ ومبادئ أخرى يمكن أن تقود، وهي فعلا تقود، حقبة جديدة من التقدم في الشرق الأوسط.

إنني سعيد لأن الجامعة العربية اتفقت في تونس في الشهر الماضي على الحاجة إلى الإصلاح. واليوم تمضي القيادة من أجل الإصلاح الإقليمي قدماً: إن الشراكة الجديدة في "سي أيلاند" سوف توفر الدعم المطلوب للمبادرات الرئيسية. ففي الشهور القليلة القادمة سوف نعمل معاً على اتخاذ التدابير لدعم الريادة في الاعمال وتمويل المشاريع الصغيرة والتعليم والمساواة بين الجنسين والديمقراطية.

لكن علينا ألا نفكر فقط بالبرامج الفردية، بل يجب أن يكون هنالك إطار قوي - خطة للتعافي يمكنها أن تمنح الناس، وخاصة الشباب، إحساساً بأنهم سيشاركون في تحقيق وعد المستقبل. وأنا أتحدث عن مشروع مارشال جديد لإنعاش الشرق الأوسط.

وكما يعرف معظمكم، وصل مشروع مارشال الأصلي إلى الناس في أوروبا في زمن اتسم بشح الموارد واليأس. كان وقتاً حاولت فيه بنشاط قوى عالم مغلق استغلال يأس الناس وخوفهم. لكن مشروع مارشال أعطى الأوروبيين الدعم الذي احتاجوا إليه لبناء مجتمعات قوية حرة. واستطاع تحالف العالم الحر الكبير الذي نجم عن ذلك، ان يحمي الحرية. هل يمكن أن يكون هناك وصف أفضل من ذلك لما يحتاجه الشرق الأوسط حاليا؟

قبل أشهر من مأساة الحادي عشر من أيلول، ناشدت الأصدقاء الأميركيين أن يفكروا في مشروع مارشال جديد، مشروع يمكن أن يعطي للشرق الأوسط الأدوات التي يحتاجها لمقاومة أعداء التسامح والسلام في العالم. ذلك المشروع مطلوب الآن أكثر من أي وقت مضى، لإعطاء الناس الأمل ومنحهم بديلاً عن الكراهية والانقسام.

في سي أيلاند، أكدنا مجدداً على الحاجة إلى السلام وبسرعة. وهذا يعني تسوية عادلة ودائمة وشاملة للصراع العربي الإسرائيلي، والتفاصيل معروفة وواضحة: حل يضمن قيام دولتين، ويستند إلى قرارات الأمم المتحدة 242، 338، 425، ودولة فلسطينية حرة ذات سيادة، قابلة للحياة، ديمقراطية ومترابطة غير مجزأة، ويحقق الأمن لإسرائيل لتعيش بسلام مع جيرانها. فهذا يمكن أن يسمح بظهور تسوية شاملة، تسوية تعالج أيضاً المسارين السوري واللبناني.

أصدقائي،

إنني أعرف أن صحفنا في هذه الأيام حافلة بقضايا أخرى، سفك دماء أخرى. علينا أن نمضي قدماً لبناء عملية سياسية شرعية وشاملة وكفؤة في العراق. لكن علينا ألا نخطئ في قراءة ذلك: فالصراع العربي الإسرائيلي يظل العقبة الرئيسة أمام السلام والتقدم في منطقتنا، وفي العالم.

وبينما يستمر العنف واليأس، فإن المتطرفين سيواصلون نشر الكراهية والفرقة. لقد حان الوقت كي نصغي للناس، من إسرائيليين وفلسطينيين، الذين يقولون لنا بوضوح شديد: أعطونا الأمن والسلام والعدالة.

إن الأهداف التي أتحدث عنها، وهي السلام والإصلاح، تشكل محوراً رئيسياً للأردن. فنحن في سلام مع جيراننا وقد التزمنا بمجتمع حديث ومتسامح ومنفتح.

في الاقتصاد، نشجع الابتكار والمشاريع والشراكة مع القطاع الخاص. وكان الأردن أول بلد عربي يوقع على اتفاقية منطقة تجارة حرة مع الولايات المتحدة، التي أسهمت بشكل كبير في تحقيق النمو الاقتصادي وتوفير الفرص.

وفي التعليم ينصب تركيزنا على تمكين الشباب، فأنتم اليوم ستجدون طلاباً يتصفحون الإنترنت سواء في المناطق الحضرية المكتظة أو في المجتمعات الصحراوية النائية. يتعلم طلاب الصف الأول اللغة الإنجليزية كلغة ثانية. ويتعلم طلاب الجامعات تكنولوجيا المعلومات ومهارات التفكير النقدي.

إن الجامعة الأميركية في الأردن واحدة من المبادرات التي نعلق عليها أنا والملكة رانيا أملاً كبيراً. من المقرر أن تفتح هذه المؤسسة الخاصة غير الربحية أبوابها لجميع الطلبة في المنطقة في عام 2009 وستكون شريكة مع مؤسسات أميركية بارزة. وسوف تلتزم بمعايير التعليم وفق أرفع المستويات العالمية: البحث والاستقصاء المفتوح، حرية الفكر وحرية التعبير.

ويظهر الأردن من خلال هذه الجهود وجهود أخرى، ما يمكن لنموذج عربي إسلامي أن يحققه.

أصدقائي،

تلوح في الأفق فرص عظيمة. عالم يشارك فيه جميع الناس في وعد المعرفة الإنسانية، ويشاركون في الرخاء والنمو العالميين ويحققون إمكاناتهم الإنسانية. هذا هو هدفنا في الأردن وهذا هو هدف الأردن للشرق الأوسط.

إن الوقت مناسب كي نمضي قدماً نحو السلام والاستقرار والتنمية. أعتقد أننا معاً نستطيع ان ننجح. فمنطقتنا وعالمنا لا يستحقان ما هو أقل من ذلك.

أشكركم جميعاً،،