كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني بمناسبة تقديم اللجنة الملكية المكلفة بمراجعة نصوص الدستور للتعديلات الدستورية المقترحة
كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني بمناسبة تقديم اللجنة الملكية المكلفة بمراجعة نصوص الدستور للتعديلات الدستورية المقترحة
بسم الله الرحمن الرحيم
السادة أعضاء اللجنة الملكية لمراجعة الدستور،
الحضور الكرام،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
وكل عام وأنتم بخير،
والسلام على أرواح الأردنيين الأطهار، وعلى روح أب الدستور، الملك طلال بن عبدالله، طيب الله ثراه، الذين صاغوا دستورنا العظيم.
وبعد، فإن المعروض أمامكم اليوم من توصيات حول نصوص دستورنا هو خير دليل على قدرة الأردن على تجديد حياته وتشريعاته، والسير نحو المستقبل برؤية إصلاحية اجتماعية وسياسية تقوم على ركنٍ أساسي يتمثل بمشاركة شعبية أوسع، وفصلٍ بين سلطات الدولة، وتحديدٍ واضح لمسؤوليات كلٍ من هذه السلطات، تجسيداً للنهج الهاشمي والحكم الرشيد في إدارة الدولة. فكل الشكر والتقدير لرئيس وأعضاء اللجنة الكريمة التي قامت بالمراجعات الدستورية، وقدمت توصياتها حول ذلك.
ولا بد هنا من الإشارة إلى جملة من الأفكار والمقترحات التي قامت بها هذه اللجنة الكريمة صاحبة الثقة والخبرة. فالتعديلات المقترحة تحفظ وتعزز التوازن بين السلطات عبر آلياتٍ دستوريةٍ فاعلة.
ولأننا مؤمنون بحماية الدستور، الذي أقسمنا على الحفاظ عليه، فقد كان من أبرز هذه المقترحات إنشاء محكمةٍ دستورية تبت في دستورية القوانين، وترسخ دور القضاء باعتباره الفيصل الذي يحمي دستورية التشريع.
ولا بد أيضاً من الوقوف على شكل العلاقة الجديد بين الحكومات ومجلس النواب، وفق المقترحات التي تعزز التوازن بين الحكومة والمجلس عبر ربط حل مجلس النواب باستقالة الحكومة فوراً. ووقف إصدار القوانين المؤقتة، إلا في حالات الحرب والكوارث الطبيعية والنفقات المالية التي لا تحتمل التأجيل، بالإضافة إلى تولي هيئة وطنية مستقلة إدارة الانتخابات. أما سلطة النظر في الطعون النيابية، ومحاكمة الوزراء فهي محصورة بالقضاء.
أما الاقتراح الذي يجسد دور الشباب في الحياة السياسية والنيابية، فهو خفض سن الترشح للنيابة إلى 25 عاماً، وجعل العمل الحزبي والنشاط النقابي مكوناتٍ أساسية في ثقافتنا الوطنية والسياسية. ففي ظل هذا الفضاء الدستوري الرحب، نأمل أن يتحول الحراك الشعبي الوطني، بإذن الله، إلى عمل مؤسسي ومشاركة شعبية فاعلة في التشريع وتشكيل الحكومات حتى نخرج من دائرة رفع الشعارات إلى توفير القنوات لممارستها باعتبارها حزبية أو نقابية أو شبابية، وفي إطار عملية سياسية مؤسسية تحترم تداول الحكومات، من خلال حكومات برلمانية، وعبر عمليه انتخابيه عصرية على أساس أحزاب ذات برامج وطنية.
ولا بد من التأكيد هنا على أن مساعينا الحثيثة لترسيخ التوازن والعدالة بين السلطات مرهونة بالمبادرة الشعبية للمشاركة في الأحزاب التي تعبر عن ذاتها وسياساتها في صناديق الاقتراع، وهذه هي ركائز الديمقراطيات النيابية.
ومع إنجاز هذه الخطوة، يجب التأكيد على خارطة الإصلاح السياسي، التي سنحرص على إنجازها ضمن إطارٍ زمني يحترم مؤسسية العمل، والقنوات الدستورية القائمة، وبما لا يتجاوز الربع الأخير من هذا العام.
فالأولوية التشريعية في هذه المرحلة الوطنية هي إنجاز التعديلات الدستورية المطروحة أمامكم اليوم، ضمن قنوات تعديل النصوص الدستورية، وفي إطارٍ زمني نأمل أن لا يتجاوز الشهر بما يعطي للسلطة التشريعية القدرة على الانتقال إلى دراسة وإقرار التشريعات السياسية المتمثلة في قانون الأحزاب وقانون الانتخاب، بعد أن تكون قد مرت في مراحل الإعداد والصياغة التي تعكس الإرادة الشعبية والتوافق الوطني.
ومع إنجاز هذه القوانين، بالإضافة إلى قانون البلديات وقانون نقابة المعلمين، يكون الأردن قد أنجز الجزء الأكبر من البنية التشريعية الضرورية لعمليةٍ إصلاحيةٍ مؤسسية، تضمن أداءً شعبياً وحزبياً ونقابياً ونيابياً وحكومياً يرتقي إلى مستوى الطموح الوطني.
لقد أمرت بالقيام بهذه المراجعات للنصوص الدستورية وإجراء بعض التعديلات عليها انطلاقا من مسؤوليتي وواجبي تجاه شعبي العزيز، وتلبية طموحاته، وما فيه الخير له، في الحاضر والمستقبل، والمطلوب الآن من كل القوى والمؤسسات الحزبية والنقابية والشعبية المشاركة في هذه المسيرة الإصلاحية، والاستثمار فيها، وتحويلها إلى برامج عمل. وبعد إنجاز قانون البلديات، فمن الضروري إجراء الانتخابات البلدية في أسرع وقت ممكن.
واليوم، نقدم لشعبنا العزيز، ولأجيال الحاضر والمستقبل هذه المراجعات والتعديلات التاريخية التي تعكس مستوى النضوج السياسي والقانوني الذي وصل إليه الأردنيون، وهم على أبواب مئوية دولتهم، التي تأسست على قواعد الحرية والوحدة والمساواة.
وبعد، فهذه هي جهودكم المباركة بين إرث الأجداد والآباء، وبين تطلعات الأبناء الذين يسيرون إلى المستقبل بخطى ثابتة، لبناء الأردن الجديد المنتصر على التحديات، والذي يجسد مبادئ العدالة والمساواة، قولاً وعملاً وإنجازاً حقيقياً نفتخر به جميعاً.
وفي الختام، نتوجه إلى العلي القدير أن يحفظ بلدنا حراً وقوياً وآمناً. وأن يعطينا العزم والقوة لحماية الأردن العزيز، ملاذاً للحرية والعدالة وكرامة الإنسان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.