كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في المنتدى الاقتصادي الإسلامي العالمي الثاني عشر
كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في المنتدى الاقتصادي الإسلامي العالمي الثاني عشر
بسم الله الرحمن الرحيم
فخامة الرئيس جوكو ويدودو، رئيس جمهورية إندونيسيا،
دولة السيد داتو سري نجيب تون عبد الرزاق، رئيس وزراء ماليزيا،
معالي رئيس مؤسسة المنتدى الاقتصادي الإسلامي العالمي،
أصحاب السعادة،
السيدات والسادة،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
اسمحوا لي بداية أن أنقل لكم جميعا تحيات صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وتمنياته لكم بالخير. إن جلالته يولي اهتماما كبيرا بالموضوعات المدرجة على جدول أعمال هذا التجمع المميز، ويتمنى لهذا المنتدى النجاح. ويشرفني أن ألقي نيابة عن صاحب الجلالة كلمته في المنتدى الاقتصادي الإسلامي العالمي الثاني عشر، ولكن أولا، أود أن أشكر شعب وحكومة إندونيسيا على حسن ضيافتهم. فمن دواعي السرور أن أكون بينكم اليوم.
أصحاب السعادة،
السيدات والسادة،
ونحن نجتمع في مدينة جاكرتا، عاصمة أكبر دولة مسلمة من حيث عدد السكان، نعبر عن امتناننا لرئيس الوزراء الماليزي، راعي مؤسسة المنتدى الاقتصادي الإسلامي العالمي، ولحكومة إندونيسيا على استضافة هذا المنتدى في دورته الثانية عشر، والذي ينعقد تحت شعار "لامركزية النمو - تمكين مستقبل الأعمال"، وهو موضوع مهم وملح في الوقت الذي نواجه فيه مشاكل وتحديات اقتصادية كبيرة.
وبتحقيق مبدأ لامركزية النمو الهادف إلى تمكين المشاريع متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، والتي تستهدف على وجه الخصوص رواد الأعمال الشباب، وتمكنهم من مشاركة أكبر في الاقتصاد الرئيسي، فإن ذلك يضمن بناء التنمية الاقتصادية الشاملة ودعم الابتكار وتحسين الكفاءة والتنافسية، وكذلك الأخذ بيد الشباب بعيدا عن التطرف الهدام نحو حياة منتجة وخلاقة. وإذا نجحنا في تمكين الشباب من خلال تزويدهم بأدوات الابتكار، وإطلاق طاقاتهم لصنع مستقبل أفضل، فإننا نوفر لهم بذلك الحماية ضد الكراهية وأفكارها الهدامة.
فالتطرف قد يعيش وينمو في بيئة الفقر والتهميش، لكن هذا ليس حكرا على المناطق النائية محدودة التنمية، فالناس في المدن الكبرى المكتظة هم أيضا عرضة لخطر الأفكار المتطرفة. لذلك، فإن حربنا على التطرف والإرهاب يجب أن تدعّم بجهود تمكين المهمشين والفقراء والعاطلين عن العمل في كل المجتمعات، والأهم من ذلك، تمكين الشباب الذين يشكلون الأغلبية في دولنا.
أصحاب السعادة،
السيدات والسادة،
يجب على الدول الإسلامية الاستفادة من قدرات وطاقات شبابها عبر تحويل الأفكار الإبداعية إلى أعمال ناجحة. ومن المهم، بصفة خاصة، أن تنضج المشاريع الصغيرة وتتحول إلى شركات متوسطة وكبيرة، لتوليد فرص العمل والمساهمة في تحقيق النمو المستدام.
ومن شأن النجاح في هذه العملية أن يحول التحدي الديموغرافي المتمثل في أن أغلبية السكان هم من فئة الشباب إلى فرصة نمو فريدة. ويعتمد كل ذلك على قدرتنا على توفير الاحتياجات المالية للمشاريع المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في دولنا، والتي لا تزال أحد أكبر العوائق التي يواجهها شبابنا.
ونظرا لازدهار منظومة التمويل الإسلامي خلال السنوات الماضية، نجد أن العديد من المؤسسات المالية الإسلامية تتمتع بسيولة وافرة يمكن استغلالها لتلبية هذه الاحتياجات.
ومن الأهمية بمكان التأكد من أن مؤسسات الوساطة المالية الإسلامية في بلداننا قادرة على تعزيز الاقتصاد بالسيولة المنتجة لتحفيز التنمية الاقتصادية، بما في ذلك توفير المنتجات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، والتي تستهدف على وجه الخصوص، تمويل رواد الأعمال والمشاريع متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، وعلينا الاستفادة من مواردنا البشرية والمالية بكل كفاءة، وتركيز جهود التنمية وبناء الثروة أكثر باتجاه رفاهية مجتمعاتنا وعلى نطاق أشمل.
ونحن إذ نحتفي برواد الأعمال الشباب الناجحين كنماذج تحتذى في مجتمعاتنا، يجب أن نقر أيضا بشجاعة أولئك الذين يحاولون ويثابرون فيفشلون، ونشجعهم على الاستمرار وندعمهم حتى يتوج جهدهم وإصرارهم بالنجاح.
أصحاب السعادة،
السيدات والسادة،
لا يمكن للحكومات المركزية أن تواجه وحدها التحديات التي يفرضها تنامي أعداد السكان. وعليه، فإن مؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني مدعوون للانضمام إلى هذه الجهود كشريك كامل، لحفز النمو الشامل والمستدام الذي تعم فوائده على الجميع. كما أن العمل على تنمية وتمكين المجتمعات المحلية في بيئاتها المختلفة، بما في ذلك المراكز الحضرية المكتظة بالسكان، من شأنه تعزيز الأسس الملائمة لتحقيق اللامركزية التي تدعم الأعمال المحلية وتنمي روح الريادة.
وهذا ما جعلنا في الأردن نشرع في مشروع اللامركزية، وطموحنا أن يكون للمواطنين دور أكبر في بناء مستقبلهم. ومن شأن كل ذلك أن يؤدي إلى زيادة الكفاءة في إدارة المخصصات المالية للإدارة المحلية وتحديد الأولويات التنموية، وبما يمكّن المجتمعات المحلية من أن تصبح صاحبة القرار في عملية التنمية وتحقيق النجاح لنفسها.
إن هناك الكثير مما يمكن أن نتعلمه من بعضنا البعض، وآمل أن ننشيء معا شبكة تواصل لتعزيز هذا التعاون، وبما يعود بالفائدة على بلداننا ومجتمعاتنا.
أصحاب السعادة،
السيدات والسادة،
وأخيرا، لا بد من التأكيد دوما على أهمية حماية شبابنا من أخطار أولئك الذي يرتكبون القتل باسم الدين. فوحشية وهمجية الإرهاب الذي يمارسه خوارج العصر، في سوريا والعراق وليبيا وإفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا، وفي جميع أنحاء العالم، تتجاوز مسبباتها التحديات الاقتصادية التي تواجه المواطنين. فهي حرب فكرية داخل الإسلام، تتطلب منا حماية القيم الحقيقية لديننا الحنيف: قيم السلام والاعتدال والمحبة واحترام الإنسانية ضد قوى الشر التي تسعى لتدميرها وتشويه الاسلام. هذه حرب لابد أن نخوضها معا كمسلمين بالتعاون مع المجتمع الدولي.
وفي الختام، أود أن أكرر الشكر لحكومتي ماليزيا وإندونيسيا وجميع المعنيين بعقد هذا المنتدى، وتوفير منصة لهذا التبادل القيّم للأفكار.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.