كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في حفل تسلم جائزة الطريق إلى السلام
كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في حفل تسلم جائزة الطريق إلى السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
رئيس الأساقفة كاتشا،
أصحاب السعادة،
أصدقائي،
السيدات والسادة،
أشكركم على حفاوة الاستقبال. وأود أن أشكر مؤسسة الطريق إلى السلام لمنحنا هذه الجائزة المميزة. اسمحوا لنا أن نتسلمها بالنيابة عمن يلهموننا دوما: الشعب الأردني، رجالا ونساء، شيبا وشبانا، ومسلمين ومسيحيين على حد سواء، فهم ما زالوا يكرسون القيم التاريخية والتراث الأصيل لوطننا، بالعيش والعمل باحترام متبادل، والحفاظ على الأردن كواحة للسلام، ومد يد العون للمحتاجين، وتوفير الملجأ الآمن للملايين على مدى السنوات.
ينير الإيمان طريقنا نحن الأردنيين في سائر أعمالنا، وحالنا كحال أتباع مختلف الأديان حول العالم، فنحن نطيع أوامر الله سبحانه وتعالى بمعاملة جميع البشر على قدر متساو من الاحترام والكرامة الإنسانية، ونحن نسير معا في رحلة صعبة في طريقنا إلى السلام والأمل.
أود أن أشكر كل من يسير منكم على هذا الطريق معنا، مثل مؤسستكم التي تقوم بتسليط الضوء على القيم الإنسانية التي تجمعنا، وتعمل على تحقيق السلام والعدالة وتشجيع الحوار للتقريب بين الشعوب.
رئيس الأساقفة كاتشا، يرحب الأردن بشراكة بعثتكم في دعم مبادرات الأمم المتحدة للحوار بين الأديان. وتساعد هذه الجهود في كشف حقيقة البشاعة والمغالطات والكراهية التي يزخر بها خطاب المتطرفين.
لقد بادر قداسة البابا فرنسيس بالتواصل أكثر من مرة مع العالم الإسلامي، وتحدث عن احترامه وتقديره البالغ للمجتمع الإسلامي، كما أشاد بالحرية الدينية التي تدعم الوجود المسيحي التاريخي في الأردن، والذي يشكل جزءا متكاملا ومهما من مجتمعنا. وفي هذا الخصوص، لطالما أكدت أن العرب المسيحيين جزء لا يتجزأ وأساسي في ماضي وحاضر ومستقبل منطقتنا.
أصدقائي،
لا يمكن للسياسة والتكنولوجيا والاقتصاد فقط أن يصنعوا عالما أفضل، بل إن كيفية استخدامنا نحن البشر لهذه الأدوات هو ما يصنع الفرق. هذه الحقيقة تضع في المقدمة، القيم التي نتعلمها من خلال الحوار والاستماع لبعضنا كالاحترام المتبادل، والتعاون، وإنسانيتنا المشتركة.
وبالنظر إلى الأمن الغذائي، وقد تحدثنا عن لبنان في هذا السياق، فقد تلاقت جائحة "كورونا" والصراعات والتغير المناخي، ليشكلوا مجتمعين تهديدا لتوفر الغذاء وإمكانية شرائه والوصول إليه بكلف مناسبة. هذا التهديد لا يعني فقط رفوفا خالية في البقالات دون تعدد في الخيارات للمستهلك، بل يعني موائد بلا خبز للعديد من الأسر في بيوتهم. وليس باستطاعة أي مجتمع، أو أي حكومة، أو أي دولة أن تواجه هذا التحدي بمفردها، لذا يجب علينا العمل معا وبشكل شمولي، لنضمن تسخير السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا لتحقيق متطلبات الرعاية والاهتمام المتبادل والتشاركية.
وهكذا، فلا يمكننا أن نعالج التحديات الأكثر صعوبة التي تواجهنا بالأمور المادية فقط أو بالعمل بشكل منفرد، بل علينا أيضا أن نستمد القوة من إيماننا بالله تعالى وإنسانيتنا المشتركة وإرادتنا للعمل معا للقضاء على الفقر واليأس، وإنهاء الاحتلال والظلم، ومساعدة اللاجئين في كل مكان للعودة إلى بلدانهم، وإعادة بناء المجتمعات المتفككة، وتجديد الأمل لدى الشباب المتعطش له في كل مكان.
أصدقائي الأعزاء،
رحلتنا في الطريق إلى السلام يجب أن تمر بمدينة القدس، فهي تحمل مكانة خاصة في قلوب الملايين حول العالم، كمدينة مقدسة تشهد دعواتنا وصلواتنا وآمالنا.
والقدس هي مدينة العديد من المسيحيين العرب، الذين يمثلون جزءا من أقدم مجتمع مسيحي في العالم، ومن واجبنا جميعا أن نحافظ على وجودهم في المدينة المقدسة.
القدس هي مفتاح مستقبل السلام والاستقرار الذي نسعى إليه جميعا، وكصاحب الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، أقول لكم، أصدقائي، إن الحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم في هذه الأماكن المقدسة متطلب أساسي للسلام والوئام وحرية العبادة. يجب أن تساهم القدس في إرساء السلام والعيش المشترك، لا الخوف والعنف. إن تقويض الوضع التاريخي والقانوني القائم في المدينة المقدسة سيؤدي حتما إلى تصعيد التوتر والغضب.
أصدقائي،
يجب أن تتوقف دوامة العنف والألم.
على العالم أن يساعد الطرفين على العودة للعمل من أجل إنهاء الصراع، والهدف هو تحقيق سلام عادل ودائم، يوفر مستقبلا من الأمل للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء، على أساس حل الدولتين الذي يفضي إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، ذات السيادة والقابلة للحياة، وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل بأمن وسلام.
فلتكن إنسانيتنا المشتركة والقيم التي تجمعنا دليلا يرشدنا في مسيرتنا نحو المستقبل المجهول، ونبراسا يبقينا على الطريق إلى السلام، والأمل الذي يحققه السلام. ويسعدني أن نحظى برفقتكم وحكمتكم في رحلتنا على هذا الطريق.
وباسمي وباسم رانيا، أشكركم جزيلا على هذه الفرصة.