كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في ملتقى الأعمال الأردني الأميركي الثاني

كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في ملتقى الأعمال الأردني الأميركي الثاني

الأردنعمان
09 آذار/مارس 2013
(مترجم عن الإنجليزية)

بسم الله الرحمن الرحيم

أصحاب السعادة،
الضيوف الكرام، السيدات والسادة،

إنه لمن دواعي سروري أن أكون معكم هنا، في ملتقى الأعمال الأردني الأمريكي الثاني، ويسعدني أن ألتقي ببعض الأصدقاء القدامى، وأرحب بأصدقاء جدد.

لقد التأم الملتقى الأول في أيار عام 2011 في مرحلة تاريخية مهمة لمنطقتنا. وتلتقون هذه المرة في مرحلة مهمة أخرى لتحديد خياراتكم. إن منطقتنا تشهد اضطرابات، بعضها خطير جدا، ولكننا نشهد أيضا فرصا جديدة عديدة. وتظل بيئة صناعة القرار في الاقتصاد العالمي صعبة، لكنه أمر لا مفر منه، فالاقتصاديات التي تنشد النمو، والشركات التي تسعى للنجاح، لا بد لها من الانخراط في مختلف بقاع العالم.

ولهذا، فهناك حاجة ملحة للخيارات الذكية. أين نستثمر؛ ومع من نتشارك؛ وأين تقام مراكز التكنولوجيا أو المنشآت التجارية أو مكاتب الدعم والإسناد، فهذه القرارات أساسية ومهمة. ودعونا نتحدث اليوم لماذا يعد الأردن اختيارا ذكيا. وآمل حقيقة أن يساعدكم النقاش في هذا الملتقى في إيجاد شركاء وفرص جديدة.

اسمحوا لي القول أن هذا التجمع يؤكد على العلاقات المتميزة التي تربط بلدينا. فالأردن والولايات المتحدة يتشاركان على مدى عقود طويلة، في سعيهما نحو السلام والتنمية والاستقرار العالمي.

إننا نفخر بنموذج التطور الديمقراطي الأردني، القائم على التعددية والتوافق والنهج السلمي. فهذا هو الأسلوب الأردني في انتهاج الشفافية والحاكمية الرشيدة، في مناخ من التعددية، والانفتاح، والتسامح والاعتدال.

ويهدف نموذجنا إلى تحقيق تكافؤ الفرص للجميع، وحماية الحريات المدنية، والحقوق السياسية، وتعزيز مبدأ الفصل بين السلطات، وتشجيع المشاركة السياسية. ففي "ربيعنا الأردني" هذا نعكف على تطوير أسس وقواعد التحول الديمقراطي، وضوابطه. إننا نتطلع لاستقبال الرئيس باراك أوباما في الأردن قريبا، وأتمنى أن أرى زخما حقيقيا في عملية السلام عقب هذه الزيارة، السلام الذي يعد مصلحة إستراتيجية لبلدينا.

إن الاقتصاد الأردني والأمريكي مختلفان إلى حد كبير، من حيث الحجم والنطاق، لكن الأساسات تظل متشابهة، ذلك أن الناس في كلا البلدين ينشدون فرص العمل والأمن الاقتصادي، فيما يعتبر تحقيق النمو الشامل، أمرا ملحا في كلا الاقتصادين بعد هذا النكوص في الاقتصاد العالمي.

إننا في الأردن ندرك ونحترم الدور المركزي الذي يضطلع به القطاع الخاص، والشركاء العالميين في مواجهة هذه التحديات. وعملكم ضروري لتحقيق نمو اقتصادي شامل، وأنا مهتم بشكل خاص بتوفير فرص عمل للشباب الأردني، الذين يشكلون غالبية السكان لدينا، وهم يمتلكون الكثير من المواهب والمهارات، ويستحقون أن تتعزز إمكاناتهم، وأن تتحقق آمالهم.

لقد بدأ الأردن منذ أكثر من عقد مضى، بإصلاحات هيكلية بهدف الاندماج في الاقتصاد العالمي وتعزيز الفرص. وشمل هذا الأمر استثمارات وطنية في مجال التدريب والبنية التحتية، وقوانين وسياسات لتعزيز النمو، ومبادرات تنموية جديدة، وتوفير مزيد من الحماية للشركات الأجنبية والمحلية على حد سواء. وها نحن نعطي الآن الأولوية لسن قوانين جديدة ومتطورة لتشجيع الاستثمار، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص.

أيها الأصدقاء،

يعكف الأردن على عملية بناء طويلة المدى. ولتحقيق ذلك، يجب أن يسير الإصلاح الاقتصادي والسياسي جنبا إلى جنب. وقد تعاملنا مع الربيع العربي باعتباره فرصة لزيادة زخم الإصلاح. وتم في هذا السياق تعديل أكثر من ثلث الدستور الأردني عام 2011، وواصلنا وضع المؤسسات وآليات العمل على مسارها الصحيح. وأجرينا في وقت سابق من هذا العام انتخابات نيابية تاريخية، تلاها إطلاق مشاورات مع مجلس النواب لاختيار رئيس الوزراء المقبل، وستشكل حكومتنا البرلمانية الأولى قريبا.

إن الإصلاح، كما الديمقراطية، عملية مستمرة ومتواصلة. لكننا حققنا إنجازا بالغ الأهمية، إذ أشاد المراقبون الدوليون بانتخاباتنا من حيث الشفافية والانفتاح. فالبرلمان الجديد أكثر تنوعا وتمثيلا، ونهجنا قائم على تحقيق الإجماع والشمولية. ونحن عازمون على أن يبقى بلدنا ملاذا آمنا، بحيث يتمكن أبناء شعبنا من العيش في جو من الثقة والاحترام المتبادل، كشركاء في صناعة المستقبل.

إننا نتطلع إلى القطاع الخاص ليضطلع بدور أساسي في هذا المستقبل. فقد باتت لدينا صناعات وقطاعات عديدة، مؤهلة للخوض في شراكات واستثمارات ناجحة، وستسمعون المزيد عن ذلك اليوم.

واسمحوا لي أن أتوقف هنا عند قطاعين محددين؛ المياه والطاقة. فالأردن من بين أكثر بلدان العالم افتقارا للمياه. وعلينا أن نتذكر أن الأساليب التكنولوجية الحديثة هي عنصر أساسي في إدارة واستثمار الموارد. وهذا مجال تستطيع فيه الشركات التي تتخذ من الإبداع نهجا لها تحقيق إسهامات كبيرة.

إن اعتمادنا على الطاقة المستوردة هو تحد وطني كبير آخر. فالأردن يستورد ما نسبته 96% من احتياجاته من الطاقة، والتكلفة الناتجة عن ذلك تحتم علينا تنويع مصادرنا، الأمر الذي حدانا بالتفكير بصورة جادة في خيارات الطاقة المتجددة؛ كالرياح، والطاقة الشمسية والنووية. وقد نجم عن ملتقى الأعمال الأردني الأمريكي الأول مشاريع جديدة في مجال الطاقة المتجددة، لكن هناك فرصا كبيرة ما زالت تنتظر الاستكشاف.

وما هذا إلا قدر يسير من الفرص الاقتصادية المتاحة في الأردن. وأما بالنسبة للشركات والمستثمرين في المملكة، فإننا نوفر لهم الفرص الإقليمية والدولية على حد سواء. فموقعنا الجغرافي الاستراتيجي، وعلاقاتنا الثنائية الطيبة مع الدول الأخرى، جعلت من الأردن بوابة للوصول إلى الفرص الاقتصادية المتاحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما تحظى الشركات العاملة في المملكة بفرص استثنائية للوصول لأسواق جديدة ومتنامية، تخدم 350 مليون مستهلك، وتتوفر فيها الموارد الاستراتيجية الحيوية.

وخير مثال على ذلك، صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الأردنية، التي أصبحت صناعة أساسية في الوطن العربي. إن قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الأردني ينشئ ويدير 75 بالمئة من مجمل محتوى الإنترنت باللغة العربية في المنطقة، ولعلكم تعلمون أن منتدى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد اختتم أعماله مؤخرا في البحر الميت، وأنا أشجعكم على استكشاف ما نجم عنه من فرص للشراكة والاستثمار.

ويحظى الأردن، خارج حدود المنطقة، باتفاقات تجارة حرة مهمة توصله إلى اقتصادات كبرى. وتفتح أمامه أسواقا توصله إلى أكثر من مليار مستهلك في كافة أنحاء العالم.

إننا ندعم المبادرات في هذا المجال من خلال إقامة مناطق تنموية وحرة، تتوفر فيها البنية التحتية للاتصالات والنقل. وهنا أيضا، تتوفر فرص كثيرة في التجارة والاستثمار، تستحق اهتمامكم.

كما أن العديد من الفرص تتوفر أيضا في مجال الخدمات المهنية، والهندسية، والصناعات الزراعية، والسياحية، والرعاية الصحية، وصناعة الأدوية، والتعليم، والنقل، والخدمات اللوجستية.

أيها الأصدقاء،

لقد أثمر الاجتماع الأول لمنتدى الأعمال الأردني – الأمريكي عن أشكال جديدة من التعاون بين قطاعات عديدة. وأعتقد أن جهودكم اليوم ستكون مثمرة أيضا. وعليكم أن تعلموا أن الخيارات الذكية التي تتخذونها اليوم، ستكون مفيدة لكم وللملايين من الناس، وباتخاذكم هذه الخيارات، فإنكم تبعثون برسالة واضحة مفادها: أن بوسعنا توفير الفرص، التي من شأنها أن تصنع مستقبلا أفضل للبلدين.

وأتمنى لكم كل النجاح.