كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني من خلال شبكة "التبادل الإخباري 2004"

كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني من خلال شبكة "التبادل الإخباري 2004"

البرتغالأَلجارف
18 تشرين الثاني/نوفمبر 2004
(مترجم عن الإنجليزية)

بسم الله الرحمن الرحيم

الشكر لكم جميعاً. ويسعدني أن أكون بين أبرز القيادات الإعلامية القائمين على مؤسسات الإذاعة والتلفزة العالمية. وقد حظيت بأن أجرى عدد غير قليل منكم مقابلات معي. وتشرفت بلدي باستضافة العديدين منكم ومن زملائكم في السنوات الأخيرة. وأنا ممتن لاستضافتكم لي اليوم.

وقد فهمت أن الوقت الذي سأقضيه معكم هذا الصباح قد أُدرج على أجندتكم على أنه خطاب رئيسي. ولكنني تعلمت ما فيه الكفاية من أصدقائي في عالم الإذاعة والتلفزيون بحيث أعرف أنكم لا ترغبون أن تجلسوا لمدة عشرين دقيقة تنظرون لرأس يتكلم. ولهذا، وإذا سمحتم لي، فإنني أود أن أقدم بعض التعليقات والمداخلات، ومن ثمَّ آمل أن يجري بيننا بعض التفاعل أخذاً وعطاء.

أولاً اسمحوا لي أن أقول أن كلَّ واحد منكم هو جزء من مهمة غير عادية، قوامها حوار عالمي هائل المدى والقوة. فمن خلال عملكم، حظي الناس في العالم بإمكانية لا سابق لها للوصول إلى المعلومات والأفكار. ومشاهدوكم يرغبون أن يشاركوا في ذلك العالم الأكبر، وأن يستفيدوا من المعرفة والفرص الحديثة، وأكثر من ذلك أن يشتركوا في مكاسب العدالة والسلام.

وهكذا كيف يتسنّى لعالمنا أن يوسّع نطاق وعده بالأفضل لأولئك الذين جرى استثناؤهم؟ لقد قلت سابقاً أننا نواجه خياراً هاماً في هذا القرن. فمن جهة هناك عالمٌ من الحرية والانفتاح - مجتمع إنساني قائم على احترام الآخرين والفرص المتنامية. ومن جهة أخرى هناك نهج المتطرّفين، نحو عالَمٍٍ من العنف والفُرْقة.

وأنا أؤمن بالتغيير العصري. وأعتقد أنه كي يحدث هذا التغيير، فإننا بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى صحفيين وصحفيات ذوي بصيرة ومصادر موثوقة للأخبار. فاليوم تعتبر عدسة الكاميرا هي عين ملايين المشاهدين لا عين المصور التلفزيون وحده، يسرّحون أبصارهم من فوق كتفه، ليشهدوا ما يحدث. ونحن نعتمد على وسائل الإعلام العالمية في المحافظة على محور التركيز واضحاً. والتحدّي الماثل هو رؤية ما وراء المشهد، وتجنَّب التشويه، وأن نقوم بالترجمة والحوار، لا بين اللغات فحسب، ولكن بين الثقافات والمجتمعات - وخاصة اليوم، بين العالمين الإسلامي وغير الإسلامي.

فقبل سنوات قليلة خلت، نادراً ما كانت تجري مناقشة مثل هذا النوع من الحوار. أما اليوم فإن بناء الجسور هو قضية رئيسية. فنحن، بني البشر بحاجة ماسة كي يتفهم بعضنا بعضاً بصورة أفضل، وأن يتحدّث واحدنا إلى الآخر بمسؤولية أكبر، وأن نتجنّب التصنيفات السهلة وكذلك الخطاب الذي يؤجّج العواطف.

وقد تحدثت، في السنوات القليلة الأخيرة، في أحيان كثيرة، عن الإسلام كدين للسلام، متجذّر في قيم أساسية هي السماحة واحترام الآخرين. إن ديناميّة الإسلام التاريخية، جعلت منطقتنا رائدة في التنمية المدنية والنهضة العلمية- وبالمناسبة مهدت الطريق للتنمية الغربية أيضاً. وحاولت أن أعبّر عمّا تتوقع الغالبية العظمى من مسلمي العالم في أيامنا هذه في أن تشارك بصورة كاملة في قرننا الحادي والعشرين، على أساس السلام والاحترام المتبادل.

إن مسؤوليتي تحتّم عليَّ أن أتحدث عن هذه القضايا، لا بصفة شخصية فحسب، ولكن كمواطن في العالم العربي الإسلامي أيضاً. وهناك الملايين الذين يشاركونني إيماني بقيم منطقتنا ومستقبلها. وقد قاد الأردن المسيرة، بما أجراه من إصلاحات هيكلية. فنحن نعمل على تنشيط اقتصادنا، ونعمل من أجل حياة سياسية ديمقراطية مستقرة.

وقد أكّدنا بصورة كبيرة على حقوق الإنسان. وجرى تأسيس مركز جديد لحقوق الإنسان كي يكون ديواناً للمظالم. وفي المجال الإعلامي، نعمل على استصدار قوانين لإعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية التي تملكها الدولة، وفك ارتباط الحكومة عن عملية السيطرة المباشرة. كما وضعت مسودات قوانين للتحرير هذا القطاع ولفتح قنوات البث العامة أمام المحطات التلفزيونية والإذاعية الخاصة. وقد ألغينا وزارة الإعلام.

ونحن نعلم أن هناك عملاً ما زال ينتظرنا. فالتغيير الذي يدوم هو التغيير العميق، والتغيير العميق لا يتحقق بين ليلة وضحاها. ولكن الأردن حدّد خياره، وهو الإصلاح العصري، والتفاؤل، والسلام. والعديدون في أرجاء منطقتنا متفقون على هذا.

واسمحوا لي أن أقول إنني سعيد بقيام مؤتمر "التبادل الإخباري 2004" بتسليط الضوء على دور وسائل الإعلام العربية المرئية والمسموعة. فوسائل الإعلام العربية لها دور هام إذا ما أردنا للإصلاح والسلام في المنطقة أن ينجحا. فنقل الأخبار بصورة منزّهة عن الهوى تستند إلى المعرفة، والإنصاف، والموضوعية- تعتبر جميعها أساسية لإقامة الحوار العام البنّاء. فالمتطرفون لا يسعون إلى إقامة الحوار، فسعيهم يتجّه نحو إيجاد منابر يتحدثون من خلالها ووسائل تساعدهم على الظهور. وعلى الصحفيين الذين يتمتعون بحسّ المسؤولية أن يحرموهم هذه المنابر، مثلما يستنكرون الكراهية والعنف اللذين يطلق الإرهابيون شرارتهما.

ولا أستطيع الكلام عن منطقتنا دون مناقشة موضوع السلام. وأنا أعلم أنكم تتبعون جميعاً الأحداث في العراق عن كثب. وأن يكون هناك عراق أعيد بناؤه، خال من العنف ويتمتع بالديمقراطية والسيادة مسألة ملحة للمنطقة بأكملها، وللعالم بأسره.

كما أن عملية السلام العربية الإسرائيلية هامة وأساسية، والنزاع العربي الإسرائيلي هو التحدّي الرئيسي في أيامنا هذه - لا في المنطقة فحسب، بل وفي أرجاء العالم أيضاً. فقد جلب معه معاناة لا توصف للفرقاء المعنيين. وأعاق التنمية الإقليمية، وهو يسبّب دماراً إضافياً بما في ذلك عنف المتطرفين وفقدان الثقة الخطير في العدالة الدولية.

وقد التزمت الدول العربية، في عام 2002م، بالتوصّل إلى حل دائم متوازن. وكان الاقتراح محطة هامة في هذا المجال: أمن حقيقي لإسرائيل لتعيش بسلام مع جيرانها. ودولة فلسطينية مجاورة ذات سيادة، وقابلة للحياة، وديمقراطية. وعملية تقود إلى تسوية شاملة، مستندة إلى حلٍّ يعتمد دولتين، ويعالج المسارين السوري واللبناني.

واتفقت الأطراف على الأهداف. ودعمتها مجموعة الدول الثماني الكبرى. ونحن الآن بحاجة إلى أن نرى عملاً جاداً مركزاً كي تتحقق الأهداف. وقد تلاقى قادة العالم في تشييع جنازة الرئيس ياسر عرفات يحدوهم حسّ جديد بأن تحقيق حلم إقامة دولة فلسطينية مستقلة وإحلال السلام أمران ملحّان. وقد قمت بحثّ المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، لأخذ زمام القيادة في دفع الأطراف إلى الأمام. وإني أحثّكم الآن، وأنتم المهنيين على مساعدة قادة العالم ليبقوا أعينهم مركّزة على الجائزة. فالناس العاديون، في الجانبين، إسرائيليين وفلسطينيين على حدّ سواء، ينادون بأعلى أصواتهم لإحلال السلام. استمعوا إليهم، استمعوا إلى آمالهم، وساعدوهم على أن يتحدثوا بصوت أعلى من صوت الدبابات والقنابل.

واسمحوا لي أن أختتم هذه المداخلة بأن أنضم إليكم في الإشادة بمجموعة خاصة من زميلاتكم وزملائكم - مراسلي الأخبار ومصوري التلفزيون والمترجمين والآخرين الذين لقوا حتفهم أثناء قيامهم بواجبهم. فقد تعّرض العديد من المهنيين في مجال الإذاعة والتلفزيون للمخاطر كي يحصلوا على الأخبار في مناطق النزاع وبقاع الأزمات. وتجشم بعضهم هذه المخاطر كي يجسّر عوامل الفُرقة، ويضمن استماعه إلى القصّة الكاملة.

وأنا أعلم أن هذا المؤتمر سيناقش عن كثب قضايا سلامة الصحفيين وتحسين أحوالهم أحوال أسرهم. وبالنسبة لي، فإن أشرف ما يمكن أن أقدمه لهم ولكم جميعاً، هو أن استمر في العمل من أجل السلام. ولديَّ إيمان راسخ بأن النجاح سيكون حليفنا.

ولكم جزيل الشكر.